نحن لا نتوقع أن تقوم الشركات الأجنبية التي تعمل معنا بتقديم خبراتها لأبنائنا هكذا طواعية، بل أننا لا نتوقع أن تسمح لأبنائنا وبناتنا أن يعملوا معهم في أعمال حساسة تمس شركاتهم. كل ما تقوم به هذه الشركات هو أنها تستنفذ مواردنا وتنفذ مشاريع تتحول إلى عبئ علينا مع الوقت لأننا لا نملك الخبرات الكافية لتشغيلها وصيانتها بعد ذلك، فنحن لم ننقل أي خبرة ولم نعمل على تدريب أبنائنا أثناء بناء هذه المباني، ولم نسن قوانين وأنظمة تجبر هذه الشركات على التدريب ونقل الخبرات كجزء من عقودنا الضخمة التي نعطيها لهذه الشركات.
هذا الخلل المجحف بحق الوطن وأبناءه وأجياله المستقبلية نشعر به الآن عندما نشاهد أن أغلب المجالات التقنية في بلادنا تدار بأيد غير وطنية، وأنا عندما أتحدث عن المباني والعمارة فهذا ينطبق على كافة المجالات، فنحن لم نعمل منذ وقت مبكر على نقل الخبرات الأجنبية وأكتفينا بأن تقوم هذه الشركات بكل شيء في غياب كامل منا، والنتيجة هي أننا صرنا نشعر بالعجز يوماً بعد يوم وإن لم نلتفت لهذا الخلل الآن سوف ندفع الثمن غاليا في المستقبل وهذا ما لايتمناه أي واحد منا. مرت علينا العديد من الفرص ولم نتعلم منها شيئا، وأذكر شخصياً أن التحول العمراني الكبير الذي صاحب طفرة السبعينيات جلب لنا كبريات الشركات في العالم وعملوا في بلادنا ولم يتركوا أثراً واضحاً على الخبرة المحلية، وكان عزائنا في ذلك الوقت أننا مجتمع ناشئ والمتخصصين في هذه المجالات من أبناء الوطن قلة، وكان ذلك السبب مقنعاً، لكننا فوتنا الفرص بعد ذلك بعد أن تعلم ابنائنا واكتظت بلادنا بالمتخصصين من المواطنين، وها نحن اليوم نستعين بالشركات الاجنبية دون أن نفرض عليهم تدريب مواطنينا ونقل الخبرات إليهم.
نحن نعيش الآن الفرصة الأهم من أجل صقل خبرات أبنائنا ويجب أن لا نفوت هذه الفرصة لذلك فإنني أقترح أن يكون أحد شروط التعاقد مع هذه الشركات هو إعداد فريق سعودي قادر على تشغيل المبنى يعمل مع الشركة من اليوم الأول وحتى تسليم المبنى، وهذا هو الحد الأدني الذي يمكن أن تقوم به هذه الشركات بل ويجب أن يعمل هذا الفريق لفترة من الوقت في مقر الشركة الأم في بلادها الأصلي حتى يكتسب الخبرة من المنبع. ويمكن في هذا الصدد أن أقترح أن يكون لدينا برنامج وطني مقر من مجلس الوزراء لنقل الخبرات الأجنبية وتأهيل المواطنين في كافة المجالات التي تعمل فيها الشركات الأجنبية في بلادنا، تكون مهام هذا البرنامج هو إعداد دراسة شاملة لنقل الخبرة والاشراف على تنفيذها لمدة خمس سنوات، وهذا أمر لا أعتقد أن فيه صعوبة. ويجب أن يعمل هذا البرنامج مع الجامعات السعودية ومع الكليات التقنية لتوجيه التخصصات الهندسية والتقنية من أجل اكتساب هذه الخبرات وربط المؤسسات التعليمية بالشركات الاجنبية التي تعمل في بلادنا.
المقترحات كثيرة ولكن يجب أن تسبق هذه المقترحات العزيمة والرغبة في العمل، وهذا ما ينقصنا ففي بلادنا كل يغني على ليلاه وكل يعمل لوحده ، لذلك فنحن نخسر الفرصة تلو الفرصة ونتفرج على مواردنا تتسرب من بين أيدينا ولا نحرك ساكناً.
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد