أثر التراث العمراني
المؤلفة
الأميرة الدكتورة نوف بنت محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود
الناشر
مركز التراث العمراني الوطني الهيئة العامة للسياحة والآثار، الرياض
الأستاذ الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم
يعتبر هذا الكتاب مؤسس في مجاله، فهو يتناول بالشرح المفصل سياسات المحافظة على التراث العمراني في المملكة العربية السعودية، فهو في الأصل بحث علمي نالت عليه المؤلفة درجة الدكتوراة من جامعة الدمام في التخطيط الحضري والأقليمي، لذلك يجب أن ننظر إلى هذا الجانب المنهجي التحليلي الذي يميز هذا الكتاب فالمنهجية العلمية الرصينة التي تظهر في كل أجزاء الكتاب تنعكس على الفصول السبعة التي تشكل النص حيث تم تقسيم المتن إلى فصول تتناول الادبيات الخاصة بالمحافظة على التراث العمراني على المستوى العالمي والعربي والمحلي والفصول الأخرى ركزت على الدراسة الميدانية التي اعتمدتها الباحثة في منهجيتها ودراستها للوضع الراهن في المملكة العربية السعودية.
يركز الكتاب في البداية على التحولات الاقتصادية التي مرت بالمملكة العربية السعودية منذ إكتشاف النفط عام 1938م وحتى اليوم، صاحبه توسع عمراني هائل، غزى مدنها وقراها، وهدد تراثها العمراني، مما جعله يواجه مخاطر خسارة مئات من المواقع الأثرية والتاريخية، التي شكلت عبر الزمن جوهر الهوية الوطنية والمرجع الاساسي الذي يمكن أن يميز المدن والقرى السعودية في المستقبل. ويؤكد على أهمية هذه المواقع والعمل على بقائها وحفظها للأجيال القادمة كي تكون أحد ركائز الذاكرة التاريخية الوطنية.
إشكالية فقد المواقع التاريخية بدأت تتشكل بوضوح منذ منتصف السبعينيات، عندما بدأت المملكة في وضع خطط التنمية عام 1970م، وعندما بدأت طفرة النفط عام 1975م، وتصاعد دخل الدولة والبدء في قروض صندوق التنمية العقارية ،الأمر الذي أدى إلى هجرة السكان من أوساط المدن ومن القرى التاريخية إلى المناطق والأحياء الجديدة التي أتاحتها الموازنات الكبيرة للدولة. منذ ذلك الوقت وحتى وقت قريب والمواقع التاريخية في تراجع مستمر، وقد خسرنا كثير منها، التي تتطلب التدخل من قبل الدولة، حيث كان هناك وعي مبكر بأهمية هذا التدخل من خلال صدور نظام الآثار عام 1972م، إلا إن هذا النظام لم يطبق ولم يصاحبة تشغيل مؤسسات قادرة على حماية المواقع التاريخية وتنميتها.
تهتم هذه الدراسة بالتحولات الكبيرة التي تعيشها المملكة العربية السعودية خلال الخمس سنوات الأخيرة بعد انضمام الأثار إلى الهيئة العامة للسياحة، والمبادرات المتعددة والمتعاقبة، التي أدت إلى التحول الكبير وخاصة في نظرة المجتمع للمحافظة على هذه المواقع التاريخية. عزز ذلك ما تم مؤخراً من موافقة مجلس الشورى على نظام الأثار والمتاحف والتراث العمراني المعدل ولأول مرة يتم إضافة (التراث العمراني) لنظام الآثار، كما تمت موافقة وزارة الشئون البلدية والقروية على تأسيس إدارة عامة للتراث العمراني في الوزارة، الذي أكد إن المحافظة على التراث العمراني أصبح عمل أساسيا لبعض مؤسسات الدولة وجزء من مسئوليتها، وقبل ذلك قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بتأسيس مركز التراث العمراني الوطني . هذه التحولات الكبيرة في سياسات التراث العمراني في المملكة تعتبر مؤشراً مهماً لجعل هذه الدراسة تلاحق الزمن وتتبع هذه المبادرات الكبيرة التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والأثار.
يهدف هذا الكتاب لدراسة تأثير سياسات المحافظة على التراث العمراني على المواقع التاريخية في المملكة العربية السعودية. لتحقيق هذا الهدف، بدأت الدراسة بمراجعة الحالات الدراسية العالمية للمحافظة على التراث العمراني، وتوصلت إلى إنه أي سياسات مرتبطة بالتراث العمراني يجب أن ترتكز على خمس عوامل أساسية هي: التنظيمات والإدارة، التوعية الاجتماعية، التمويل، التعليم،التقنيات المرتبطة بالترميم.
تدور هذه العوامل الخمس كلها في إمكانية المحافظة وتطوير وتشغيل المواقع التاريخية.قامت الباحثة باستخدام هذه العوامل الخمسة في دراسة التجارب التي تمت في المملكة خلال العقدين الآخرين، وتتبعت كل القرارات والتنظيمات التي تم إصدارها خلال تلك الفترة، واكتشفت أنه لم يكن هناك عمل مؤسسي واضح يجمع هذه المحاولات ولم يكن هناك متابعة للأنظمة والقوانين التي لم تكن كافية أصلاً، بالإضافة إلى أنه لم تكن هناك عقوبات ولم يكن هناك وضوح لمصادر التمويل، كل ذلك قبل أن تنضم الأثار والتراث العمراني للهيئة العامة للسياحة والاثار عام 2008م . ركزت الدراسة على البحث عن مستويين من مصادر المعلومات ومتابعة التغيرات .
المستوى الأول: من خلال تطوير إستبيان يرصد أراء المهتمين والمتخصصين لعينة مختارة ومنتقاة لـ 129 مهتم بالتراث العمراني، تم طرح أسئلة عليهم مرتبطة بالعوامل الخمس التي توصلت لها الباحثة.
والمستوى الثاني: من خلال رصد جميع المبادرات التي قامت بها الهيئة العامة للسياحة والأثار بصفتها الجهه الحكومية المسئولة عن التراث العمراني والمبادرات التي قام بها الناس أنفسهم كذلك. كما قامت الكاتبة بربط مصدري المعلومات مع بعضها البعض من أجل إثراء التحليل ووضع المبررات للتغيرات التي تشهدها المملكة للمحافظة على التراث العمراني في الوقت الراهن، وعليه تم تقسيم البحث إلى جزء نظري / ميداني، يحتوي على ثلاثة فصول: تتبعت فيها التجارب العالمية والتجارب العربية والمحلية. وجزء آخر ميداني، يحتوي على ثلاث فصول: ركز إحداها على التنظيمات والإدارة، والأخرى على التوعية الاجتماعية، والأخيرة على التعليم والتقنية والتمويل. كما تم توظيف (التحليل) الثنائي لمصادر المعلومات التي إعتمد عليها البحث في قراءة مؤشرات التحولات التي تحدث الآن في المملكة فيما يخص المحافظة على التراث العمراني.
خلصت الدراسة إلى إن هناك تحولاً شاملاً تعيشه المملكة هذه الأيام في مجال التراث العمراني، وأوصت على أنه من الضروري أن يتم تطوير ميثاق للتراث العمراني يناسب وضع المملكة العربية السعودية التاريخي، ويتناغم مواده مع المواثيق العالمية، ويتضمن الخمس عوامل التي تم دراستها في تقييم السياسات الخاصة بالتراث العمراني في المملكة التي تثبتها هذه الدراسة.
يمكن أن يساعد هذا الميثاق الهيئة العامة للسياحة والأثار وشركائها على المحافظة على التراث العمراني في المملكة، وفي تطوير رؤية شاملة لانجاز هذا الهدف الحضاري الهام، كما سيساهم في تطوير سياسات جديدة يمكن تبنيها في المستقبل من أجل تنمية وتطوير التراث العمراني .
وبشكل عام نرى أن هذه الدراسة تمثل إضافة هامة للمهتمين بالتاريخ العمراني للمملكة العربية السعودية، كما أنه إضافة لمن يرغب في تطوير سياسات المحافظة على التراث العمراني في المنطقة ككل، فقد ارتكزت الدراسة على منهجية علمية رصينة سوف تساعد الباحثين والمتخصصين في هذا المجال في دراساتهم المستقبلية.
إضافة تعليق جديد