عمارة الاعتبارات الثقافية والاجتماعية
عمارة الاعتبارات الثقافية والاجتماعية هي العمارة التي تأخذ في الاعتبار الخصائص والقيم الثقافية والاجتماعية وتأثيراتها المختلفة على تصميم المباني. هذه الإعتبارات تكون ضرورية في المباني السكنية أكثر من أي مبنى آخر نظراً لقرب المسكن وإرتباطه بحياة الإنسان.
يمثل المسكن المكان الذي يحدده الإنسان ليأوى إليه ويحميه من كل المؤثرات الجغرافية والتعديات المختلفة بحيث يحقق خصوصيته واستقراره ، لهذا المكان مواصفات وإستعمالات توجهها وتؤثر عليها القيم الثقافية والاجتماعية لكل مجموعة إنسانية ، ويدخل في ذلك تأثير القيم الثقافية والاجتماعية في تحديد مدى تقارب المساكن فيما بينها أوحجم ومساحة الفتحات والنوافذ أوعدد المداخل وأنواع الإستعمالات الداخلية وترتيبها … إلخ.
تعتبر المساكن التقليدية الأساس الذي يعتمد عليه في تقييم مدى تأثير القيم الثقافية والاجتماعية على المسكن ولكنه ليس كافياً لأن القيم الثقافية والاجتماعية متطورة ــ خاصة في المجتمعات المفتوحة على العالم ــ لذلك من الضروري متابعة تطور هذه القيم وتأثيرها على المسكن، وعلى المعماري المصمم للمشاريع السكنية أن يهتم بهذا الجانب خاصة في مشاريع الإسكان العام ذات الكثافة العالية أو المساكن الجماعية (العمائر) ، لأن المعماري عادة ما يقوم بتصميم هذه المشروعات دون أن يكون هناك تواصل بينه وبين من سيسكنها كما هو الحال في المساكن الفردية (الفيلا الخاصة) التي يقوم المعماري بتصميمها على أساس ورغبات مالكها. ويرى الكثيرون أن المعماريين عادة ما يهتمون بالجانب الشكلي على حساب الاعتبارات الثقافية والاجتماعية التي يصعب التعرف عليها في حالة مثل المساكن الجماعية. خاصة أن هذه الاعتبارات ضرورية ليست فقط في مرحلة التصميم بل يظهر تأثيرها السلبي ـ في حالة إهمالها ـ بعد تنفيذ هذه المشروعات وطيلة عمر المشروع.
على المستوى المحلي تقوم وزارة الإسكان بمجهودات حقيقية لتنفيذ مشروعات الإسكان العام من خلال عدة وسائل، كما تقوم بتنفيذ المشاريع الإسكانية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص من مطورين عقاريين فتوفر الوزارة الأراضي والقروض بينما يقوم المطورين بإعداد التصاميم والدراسات التي تعتمدها الوازرة ثم تقوم الشركات المطورة بتسويق الوحدات السكنية على المواطنين وتنفيذها.
الطريقة مبتكرة وتعتمد على المنافسة القائمة على إشراك المواطنين في إختيار المطورين والنماذج السكنية المناسبة لهم. وقد بدأ المطورون العقاريون العمل في المواقع المخصصة لهم .
![عمائر سكنية ذات تصميم متكرر ومتشابه في الحجم والشكل](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/012.jpg)
تستعرض المجلة في هذا العدد مشروعات إسكانية تتكون من مساكن جماعية (عمارات) تضم كل عمارة عدد من الوحدات السكنية بالإضافة إلى الخدمات المناسبة من طرق ومواقف وحدائق وممرات مشاة ومرافق مثل المساجد والمدارس والأسواق ، هذه المشاريع موزعة على عدد من المدن الكبرى في المملكة وتعتمد في تنفيذها على الشراكة مع القطاع الخاص وتتوزع هذه المشاريع وعدد وحداتها السكنية على النحو التالي : ، وقد ـ تم تطوير مشروع الإسكان رقم (ا) الواقع شمال غرب مطار الملك خالد الرياض . وقد قام العقاريين التاليين بتطويرها: الأرجان 180 وحدة ، عبد الرحمن الراشد وأولاده 80 وحدة ، سمو 96 وحدة، تمليك.
ـ تطوير مشروع الإسكان رقم (2) وعددها 14500 وحدة سكنية كانت موزعة كالتالي : مدينة جدة (حي الأمير فواز) 2596 وحدة ، حي المطار 4242 وحدة. أما في المدينة المنورة فكانت 3145 وحدة. و في شمال الدمام 16.8 وحدة وجنوب الدمام 2767 وحدة. وفي مدينة القطيف كانت 160 وحدة .
وقد قام المطوريين الآتي أسمائهم بتطوير هذه المشاريع وهم : العيسائي ، إمداد نجد ـ القضيبي ، شزن ـ تمليك ـ تمكين ـ بن سلطان ـ الرائم ـ بوابة الدار ـ مدى الشرقية ـ سمو ـ مكيون ـ إيوان ـ الحاكمية.
يستعرض هذا الملف بعض من المشروعات السابق ذكرها والتي سوف تقوم المجلة بالتركيز فيه على الجوانب الثقافية والاجتماعية نظرا لأهميتها بالرغم من وجود اعتبارات أخرى في هذا النوع من المباني.
التخطيط العام لمواقع مشروعات الإسكان العام
تبنى التخطيط العام للمواقع أسلوباً يتبع نموذجاً غربياً حديثاً لتخطيط الحي السكني ذو الإسكان الجماعي (العمائر) في هذا النموذج يتم تحرير العمائر السكنية ذات الوحدات السكنية المرتبة رأسيا من اتباع مسار شبكة الطرق ويتم ترتيبها بطريقة هندسية مع تحرير المستوى الأرضي لإيجاد مساحات مفتوحة بين العمائر يمكن استخدامها كحدائق وممرات مشاة وملاعب لوضع المرافق والخدمات من مساجد ومدارس وأسواق. هذا النموذج انتشر في أوروبا منذ الستينيات والسبعينيات الميلادية وأضيفت إليه بعض التحسينات مثل موقع مواقف السيارات في مستوى تحت أرضي وتغطيته لتكوين شرفة كبيرة فوقه توفر المساحات المفتوحة ثم ترتفع فوقه العمائر كما ظهرت الحاجة إلى تنوع الاستعمالات فأضيف إلى المساكن مباني ذات استعمالات مكتبية وتجارية،
![مخطط عام يوضح علاقة العمائر السكنية بالطرق المحيطة بالموقع](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/022.jpg)
![مخطط عام لأحد المشروعات رتبت العمائر بطريقة نمطية ومتكررة وتقابلت فيه العمائر فيما بينها](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/031.jpg)
![جزء من مخطط عام لأحد المشروعات يوضح التوزيع الجيد للعمائر وكيف أن الشقق السكنية لا تتشارك في الحوائط](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/04.jpg)
وكانت الاستعمالات التجارية تقع في الدور الأرضي للعمائر بينما تقع الاستعمالات المكتبية في الدور الأول والثاني ثم ترتفع بعد ذلك العمائر رأسياً بطوابق متعددة تضم الوحدات السكنية.
كما أهتم المخططون بعمل تنوع في مساحات الوحدات السكنية فبدلاً من تقديم حل واحد ومساحة واحدة تم عمل عدد من الحلول وتنوعت مساحات الشقق السكنية ، كما تم الانتباه إلى أن العمائر السكنية كانت كلها تنفذ على أساس نموذج واحد يتم تكراره فتم وضع حلول جديدة فتنوعت أشكال وأحجام العمائر السكنية وتم تجنب التكرار الممل للشكل العام للمشروع.
مؤخراً ظهرت الضرورة إلى العودة لربط المشروعات الإسكانية بشبكة الطرق حيث تبين الدور الأساس الذي تلعبه الطرق في إثراء الفضاء العام وجعله ينضب بالحياة وضرورة ارتباط الملكيات (الملكية الشخصية) بمحور ينظمها ويحددها بطريقة فعالة .
في مشروعات الإسكان العام التي نستعرضها هناك تفاوت في مدى تطبيق النموذج الأوروبي ، بعضها ارتبط بالطرق والبعض الآخر لم يرتبط بها، الغالبية العظمي تبنت تكرار نموذج معماري واحد للعمائر السكنية والبعض أبقى على الحجم والمساحات، بينما ظهر تنوع في المفردات والتشكيلات المعمارية في الواجهات على مستوى ترتيب وتحديد مواقع العمائر في المخططات العامة، حاولت بعض المشاريع معالجة التقابل المباشر للعمائر لتجنب الكشف البصري للوحدات السكنية فيما بينها وقد تجاهلت بعض المشاريع هذه الضرورة الاجتماعية.
تصميم العمائر السكنية تتألف العمارة السكنية من فراغات يتشارك في استعمالها السكان مثل مواقف السيارات ـ إذا كانت جزء من العمارة ـ والمداخل وبهو الاستقبال وممرات التوزيع والمصاعد والسلالم ، هذه الفراغات يجب أن تراعى فيها الاعتبارات الثقافية والاجتماعية بطريقة دقيقة حيث أنها كلها تمثل فراغات ذات استعمال مختلط يتشارك فيها السكان من رجال ونساء ولذلك فإن تصميمها في مجتمعاتنا يجب أن يراعي ولذلك فهي فراغات يجب أن تتسم بالوضوح والتمتع بإضاءة طبيعية وصناعية فعالة.
في مشاريع الإسكان العام التي نستعرضها نجحت فكرة توزيع مواقف السيارات تحت العمائر السكنية وأن تكون في الدور الأرضي وأن تجاور المداخل وأن تكون مفتوحة على المساحات الخارجية، الأمر الذي يجعلها أكثر أماناً عوضاً عن كونها توفر أماكن مظللة للسيارات، ويمكن القول بأن ممرات التوزيع في الأدوار وفرت لبعضها إضاءة طبيعية بحيث يتسم استعمالها بالوضوح، وفي بعض الحالات تم تصميمها على هيئة بهو مستطيل الشكل (لتجنب الممرات الطويلة) تفتح عليه أبواب الوحدات السكنية.
![3نماذج للشقق السكنية كل نموذج يعتمد على فروقات في القيم الثقافية والاجتماعية](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/05.jpg)
![نموذجين مختلفين لتصميم الشقة السكنية في أحد العمائر](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/07.jpg)
![نموذج واحد متكرر لأربعة شقق سكنية في أحد العمائر](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/08.jpg)
تصميم الوحدات السكنية
يعتمد تصميم العمائر السكنية على عدد من الطوابق ويقسم الطابق إلى عدد من الوحدات السكنية (الشقق).
الفرق بين تصميم الشقة السكنية والمسكن الفردي (الفيلا) هو أن الشقة تتشارك مع الشقق الأخرى أفقياً في أرضية وسقف الشقة ويمكن أن تتشارك رأسياً في حوائطها الخارجية. بينما في الفيلا تتشارك رأسياً فقط فيما بينها وقد تحيط بالفيلا حديقة تجعل الفيلا مسكن مستقل تماماً عن غيره. كلما زادت المشاركة كلما قل الشعور بين السكان بملكيتهم وسيطرتهم التامة على المسكن أو ذلك المكان الذي يأوى إليه الإنسان ويحدده من حوله. ولذلك فإن سكان المساكن الجماعية وخاصة الرأسية (العمائر) يعانون من تأثير الكشف البصري والضوضاء والروائح الغير مرغوب فيها، ويقل الشعور بالخصوصية والانفراد بمساكنهم ، كذلك فإن الاستعمال الداخلي للمساكن أو الشقق على حد سواء يعتمد على القيم الثقافية والاجتماعية والإمكانات الاقتصادية وعدد السكان لكل أسرة ولذلك عمد المعماريون إلى تقديم تصميمات مختلفة عن بعضها البعض في المساحات ومرونة الاستعمال ( التوزيعات الداخلية وعناصرها وعلاقتها فيما بينها)، بحيث يمكن أن تختار كل أسرة ما يناسبها من هذه النماذج.
المشروعات التي نستعرضها هنا توضح مدى نجاح تصميم الشقق السكنية فيها، فهناك مشاريع قدمت أكثر من حل لتصميم الوحدة السكنية ، وتباينت هذه الحلول تبعاً لتباين بعض القيم الثقافية والاجتماعية في مجتمعنا ، البعض الآخر قدم نموذج متكرر موحد في المساحة والشكل لايسمح بتعدد الإختيارات ونجحت بعض المشروعات تجنب المشاركة الرأسية في الحوائط بفصل الشقق بشكل تام بحيث استقلت كل شقة بحوائطها الخارجية عن الشقق الأخرى.
تصميم الغلاف الخارجي
كما أسلفنا فإنه من الضروري لكل فرد أن يؤكد حدود مكانه أو مسكنه كما يجب المحافظة على الخصوصية بشتى أنواعها. في المشروعات المعروضة هناك نموذجين رئيسين استخدما في تصميم الغلاف الخارجي . النموذج الأول : هو التشكيل الرأسي في الكتل والخطوط هذا التشكيل لايساعد على التعرف على حدود كل شقة بينما النموذج الآخر استطاع أن يحدد إلى حد كبير الحدود الخارجية لكل شقة بصرياً عبر تقسيمات أفقية بين الأدوار وعبر عدم تشارك حوائط الشقق فيما بينها . من جهة أخرى نجحت بعض المشاريع في التشكيل الخارجي وتنويعه عبر مكونات الواجهات بحيث يمكن تمييز تصميم الشقق عن بعضها من الخارج وعلى مستوى الخصوصية.
![في المثالين أعلاه تصميم الواجهات يفصل بين الشقتين ويحقق الإنفرادية لكل شقة](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/10.jpg)
![تنوع في تصميم الواجهات في أحد المشروعات](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/121.jpg)
![التقسيمات الطولية في الواجهات لاتوضح حدود الشقق الرأسية والأفقية](https://albenaamag.com/wp-content/uploads/2015/10/13.jpg)
إضافة تعليق جديد