في الصيف الماضي تقابلت في إحدى المناسبات بالمسئول الياباني في المباحثات التي جرت للإعداد لمؤتمر البيئة العالمي الذي سيعقد في شهر ديسمبر 2015 في باريس. وتطرقنا إلى موضوع الطاقة والبناء وأن منطقة الخليج العربي يمكن أن تلعب دوراً هاماً من خلال تجاربها في البناء كونها منطقة حارة وكون كثير من الدول في العالم سترتفع حرارتها نتيجة للتحولات البيئية .
هناك توجه في اليابان كونها إحدى هذه الدول لدعم تجارب وأبحاث البناء وفي البيئات الحارة من كافة دول العالم. لقد كنت أعلم سلفاً بأن مفاهيم الاستدامة تحث على الاهتمام بالتجارب التقليدية كونها تجارب مثالية كانت تطبق الاستدامة من حيث إستخدام المواد الطبيعية المستدامة في البناء التي تسهل استعادتها ، ومن حيث أساليب التهوية والتدفئة أو توفير الإضاءة الطبيعية ومن حيث التصاميم العامة للمباني والأحياء والمدينة بشكل عام. وأن المطلع على أنظمة وقوانين الاستدامة التي وضعت في أنحاء مختلفة من العالم تؤكد على ضرورة الاستفادة من تجارب البناء التقليدي . إلا أن الذي فاجأني في ملاحظة الخبير الياباني هو إشارته للتجارب التقليدية في منطقتنا . فالمعروف إننا نعتمد في أسواقنا على تقنيات ومواد بناء من دول مختلفة بما فيها اليابان، فكيف يمكن أن نصبح مصدرين لتقنيات البناء. وهل نحن قادرون على استرجاع هذه التجارب بعد أن أهملنا العمارة التقليدية لسنين طويلة لم يبقى من أمثلتها إلا الشئ اليسير.
في السبعينيات الميلادية كانت هناك محاولة للإستفادة من تجربة البناء التقليدي في منطقتنا إلا أن هذه التجربة لم تنجح نظراً للاستعجال في التعامل معها، فبدلاً من دراسة التجربة التقليدية بعمق لجأ المعماريون إلى نقل الأشكال المعمارية للمباني التقليدية ومفرداتها ولم يتعمق في معرفة الأسباب التي أدت لعمارة هذه المباني. لقد رفض المجتمع هذه العمارة المستوحاة من الأشكال التقليدية للمباني لأنها لم تقدم حلاً للإشكاليات المعاصرة للعمارة.
نأمل أن تقوم العودة إلى التجربة المعمارية التقليدية على أسس عميقة، كما أنه من الضروري أن نعي جيداً أن الاعتبارات الثقافية والاجتماعية في أي مجتمع هي اعتبارات قابلة للتطوير خاصة في المجتمعات التي تريد أن تفتح على العالم وأن تتفاعل معه.
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد