إذا أردنا أن نقيم العمل الهندسي في قطاع المباني المحلي فإننا لن نجد فرصة أفضل من المرحلة الحالية والهدوء النسبي للمشاريع. فمرحلة الطفرة في قطاع البناء قد أنتهت، وأصبح هنا مجال للمكاتب المحلية للتفكير في تقييم أعمالها وتطوير خدماتها، إلا أننا لايمكن أن نقيم أي عمل دون تقييم للبيئة التي تحتضن هذا العمل ، فلا يمكن أن ينجح العمل الهندسي دون توفر بيئة عمل ناجحة. هناك عوامل تؤثر على مدى نجاح بيئة العمل الهندسي. من العوامل المباشرة، يمكن أن نذكر التعليم الهندسي وأنظمة مزاولة المهنة . ومن العوامل الغير مباشرة يمكن أن نذكر الحالة الإقتصادية والثقافية للمجتمع والمستوى التقني والصناعي للمنتجين والمقاولين من حيث المواد والعمالة. هذه العوامل يجب أن تؤخذ في الإعتبار عند التقييم، فالتصميم المعماري مهما بلغ من إبداع لا يؤدي إلى الغاية منه إذا كان هناك قصور في هذه العوامل. فإذا أخذنا عامل التعليم الهندسي سنجد أنه لم يوفر كافة التخصصات الداخلة في قطاع المباني بالأعداد المطلوبة مثل التخصص الإنشائي مثلاً ، وفي بعض الأحيان فإن بعض التخصصات لاتكون بالمستوى المأمول ، فلقد شهدنا مؤخراً معاقبة الجهات المسئولة لبعض المكاتب الهندسية لعدم توفيرها العزل الحراري في تصاميمها، وهو من أبسط الشروط التي يجب أن توفرها تصاميم المباني، كما أن أنظمة مزاولة المهنة ليست قادرة حتى الآن علىحل المشاكل التي تعترض العمل الهندسي مثل ضرورة وضع أسعار تصميم المباني بما يعادل الجهد الهندسي المبذول، فأصحاب المشاريع مازالوا يفضلون الأسعار المتدنية للتصاميم الأمر الذي يؤثر سلباً على المنتج النهائي؛ ومع غياب الوعي المعماري لدى المجتمع لايمكن تمييز التصميم الجيد من السيئ، مما حدى ببعض المكاتب إلى استغلال هذا الواقع واللجوء إلى توظيف مهندسين ذوي خبرات محدودة وتقديم أعمال تجارية لاترتقي للعمل الهندسي الإبداعي. وأخيراً وليس آخراً فإن المستوى التقني والصناعي لمنتجات البناء مازال هو الآخر متدنياً نتيجة لغياب الرقابة الجدية، وما نشاهده في سوق البناء اليوم من إرتفاع أسعار المواد والعمالة وانخفاض نوعية التنفيذ ما هو إلا أحد مظاهر غياب الرقابة. وإذا كنت أشفق على المكاتب الهندسية نتيجة لهذه البيئة السلبية في قطاع المباني، فإنني يجب أن لا أبرئ بعض من تلك المكاتب التي تقدم مستويات متدنية هندسية والتي استسلمت للواقع. وبالرغم من كل المجهودات التي تبذلها الجهات المختلفة المسئولة عن تطوير قطاع المباني، إلا أن مدننا وأحيائنا تعج بالمباني ذات المستوى المتدني من حيث التصميم ومن حيث الخدمات الهندسية ومن حيث المواد والمصنعيات، بالرغم من الطفرات الإقتصادية التي مرت بنا وانفتاحنا على العالم .
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد