من المسكن المستقل إلى المدينة المستقلة عن الشبكات
المؤلف :
Fanny Lopez
الناشر :
Editions de la Villette/SC
عرض:
المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
يعتمد هذا الكتاب على رسالة دكتوراة كانت قد قدمتها الدكتورة في تاريخ العمارة المهندسة فاني لوبيز حول الإستغناء عن الشبكات التحتية التي تزود المباني بالكهرباء والغاز والماء وصرفه بواسطة وسائل ذاتية ودون الإعتماد على هذه الشبكات وبمعنى آخر تصميم مباني مستقلة عن الشبكات. ينفرد هذا الكتاب كونه يمثل قاعدة معلومات تاريخية لفكرة و مراحل تطور المبنى المستقل، وهو نقطة إنطلاق ضرورية لا غنى عنها لكل معماري وباحث في مجال البناء المستدام.
الفكرة العامة للكتاب
يتناول الكتاب العلاقة بين المدن ومبانيها وشبكات توزيع الكهرباء والماء والصرف، وكيف راودت المعماريين والمهندسين فكرة إستقلال المدن والمباني عن الإرتباط بشبكات التوزيع والاعتماد على التزود بالطاقة والماء وصرفها ذاتياً. اليوم نحن ننظر لهذه الفكرة كضرورة ــ كوننا نشهد تحولات بيئية وتطورات تقنية تدفع وتسهل تحقيقها.
وإذا كانت الفكرة راودت من سبقونا منذ القرن التاسع عشر واستمرت وتبلورت مع التطور التقني وظهور الحاجة لها في المباني في مراحل زمنية مختلفة، فإننا يجب أن نفرق بين الرغبة في الإستقلال عن الشبكات والتزود الذاتي بالطاقة والماء نتيجة عدم وجود شبكات ، والرغبة في التزود الذاتي بالطاقة لأهداف سياسية ومعمارية وتقنية ، في الحالة الأولى هناك ضرورة ترغم على التزود الذاتي كالبناء في المناطق النائية البعيدة عن الشبكات. أما في الحالة الثانية فهي عملية اختيارية لاتمثل ضرورية حياتية ملحة.
ظهر التوجه إلى الإستقلال عن شبكات التوزيع منذ اليوم الأول الذي بدأت مشاريع الشبكات تظهر في المدن. منذ ذلك الوقت بدأت تظهر على الساحة أمثلة من المباني والأنظمة الميكانيكية المستقلة للتزويد بالطاقة ، إلا أنها كانت دائماً ذات حلول تقنية غير مكتملة.
إلا أنه وبعد الأزمة البترولية التي شهدها الغرب في السبعينيات، بدأ الإهتمام يزداد شيئاً فشيئ بأفكار الإستقلال عن الشبكات ، وبدأت تظهر أمثلة ذات أنظمة وتقنيات أكثر واقعية يمكن تنفيذها.
نجحت هذه المشاريع في أنها استطاعت دمج المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتقنية في مقترحاتها .
هذا وقد جمعت الأفكار وتفاصيلها التي تضمنها الكتاب في فصلين :
الفصل الأول
يتناول الفصل الأول المقارنة بين حالتي الإرتباط أو الإستقلال عن الشبكات من النواحي التاريخية منذ بداية القرن التاسع الميلادي حتى الستينيات الميلادية، أي منذ البدء في تطبيق وسائل الصرف الصحي في المدن والتزويد بالمياه واستخدام الكابلات لإيصال الكهرباء بعد أن تولت الحكومات المحلية تزويد سكان المدن بالمرافق والشبكات من كهرباء أو غاز أو مياه أو صرف. الأمر الذي هيأ إلى التوجه إلى تخطيط وتنظيم المدن حيث كانت الشبكات تعتبر من أهم وسائل تنظيم وتخطيط المدينة.
في هذه المرحلة أنقسمت الآراء بين المنادين بالاستقلال عن الشبكات كونها تحد من حرية اختيار موقع المشروعات التي يجب أن تكون قريبة من الشبكات، وكون الشبكات تعتبر مشاريع مكلفة يمكن الاستعاضة عنها بأنظمة مستقلة على مستوى الأحياء ، مثل المعماري فرانك لويد رايت، كما كان هناك من يرى أن الشبكات ضرورية لرفاهية حياة الإنسان مثل لوكوربوزييه. و يمكن على سبيل المثال ذكر أعمال المهندس بكمنستر فولر الذي قام بتقديم مقترحات حول المساكن المستقلة في وقت لم تكن هناك حاجة ملحة لها.
الفصل الثاني
تم استعراض وتحليل المحاولات والتجارب المختلفة للإستقلال عن الشبكات و التي صاحبت تطور المدن و تنوع المتطلبات البنائية في الحقبة 1970 ــ 1980م وهي الفترة التي سلطت الأنظار فيها على مشاكل الطاقة. ويمكن القول أنه في هذه الحقبة ظهر مساريين معماريين :
_ المسار الأول كان يركز على حل مشاكل الطاقة من خلال تأثير البيئة والمناخ، وقد أعتمد هذا المسار على العمارة التقليدية كنقطة إنطلاق لتوجهه ومايؤثر عليها من هوية اجتماعية و مناخية واستخدام الوسائل والطرق السلبية (Passive) لخفض إستهلاك الطاقة، ويظهر ذلك في الدراسات والأفكار التي طرحها فيكتور الوجبي واموس ربوبورت.
_ المسار الثاني كان يركز على حل مشاكل الطاقة من خلال التطور التقني ورفع أداء أنظمة الشبكات.
وأعتمد على التطور التقني وحاول الانتفاع به لحل مشاكل الطاقة. في الستينيات ظهرت الحاجة بقوة إلى العلوم الهندسية والتقنية لكي تحل المشاكل المعمارية المتعلقة بالبيئة ويظهر ذلك في الأفكار التي طرحها رينر بنهام وجيمس فيتش وليو ماركس.
وفي السبعينيات انتشرت أفكار الإستقلال عن الشبكات وظهر محاولات جديرة بالإهتمام مثل مشروع المسكن المستقل لألكسندر بيك (1973م) ومشوع المدينة المستقلة للمعماري جورج الكسندروف (1980م)، ومن أهم المشاريع للمساكن المستقلة والمساكن المستقبلية يمكن ذكر مشروع مسكن المستقبل لبيتر واليسون سيمسون (1976م) والكبسولة الأرضية لمايكل جاتسن (1979م) والمسكن المكتفي ذاتياً لريتشارد روجرز (1978م). وبالرغم من هذه الأبحاث والدراسات والأفكار التي ركزت على النواحي الهندسية التقنية، فإن شبكات التوزيع كانت دائماً محل قبول ولم تكن مقترحات الإستقلال عن الشبكات تلقى الرواج بل في بعض الأحيان كانت النظرة إليها سلبية .
اليوم ؛ المشكلة البيئية والتوسع في البحوث الاستكشافية المستقبلية لمدن ما بعد الكربون (أي المدن التي يتم معالجة مشاكل انبعاثات غاز الكربون فيها ) يدفعان إلى إعادة النظر في مخططات التنمية العمرانية التي كانت تلعب خطط شبكات التوزيع دوراً مؤثراً وموجهاً فيها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه نتيجة إلى إتخاذ أساليب حياة جديدة تهدف إلى خفض إستهلاك الطاقة والدفع إلى تباطئ النمو الاقتصادي وبالإضافة إلى التقدم التقني، فقد أدى ذلك إلى طرح الكثير من التساؤلات حول جدوى إرتباط المباني بشبكات التوزيع، حيث كان الهدف منها النمو الاقتصادي وإعتمادها على التصنيع كمنتج لها و بدأت تظهر وتقوى اليوم اتجاهات جديدة تنقد أنظمة التوزيع وشبكاتها وتدفع إلى البحث عن أنظمة جديدة مستقلة .
البحث في مجال استقلال المباني عن شبكات التوزيع والذي يتناوله هذا الكتاب يدفع إلى تحولات جذرية في مجال التنمية العمرانية في المدن ، خاصة وأن التوجه إلى تزويد المباني بما تحتاجه من طاقة ذاتياً أصبح أمراً يدفع إليه التوجه العام المعاصر للاستدامة .
إضافة تعليق جديد