على ضوء التطويرات الصحية الحديثة
تصميم المشروعات الصحية ومباني المستشفيات بشكل خاص مهمة معمارية صعبة للغاية ، فالمستشفيات وتجهيزتها وتشغيلها مشاريع ذات تكلفة عالية، إلا أنها مشاريع ضرورية ولايمكن الاستغاءعنها، نظراً لدورها في المحافظة على صحة الإنسان، كما أن ديمومة خدماتها ضرورة قصوى للمجتمعات الإنسانية.
تتبع مبان المستشفيات معايير وأنظمة صحية وبنائية كثيرة كما تراعي مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية في البيئة التي تبنى فيها، تجعلها من أكثر المباني تعقيداً، فهي تضم أماكن لإجراء العمليات الجراحية ، كما تضم أقسام ومعامل لتشخيص الأمراض وأخرى للكشف على المرضى ، كما يجب أ ن تراعي المستشفيات التطورات المختلفة التي تحصل في المجالات الصحية سواء من النواحي التنظيمية للعمل الصحي والعلاجي أو التقنية للآلات والتجهيزات الطبية. ولذلك فإن مباني المستشفيات يجب أن تمر بمراحل دراسية وتحليلية قبل البدء في التصميم والإنشاء.
يشارك في إعداد مشاريع مباني المستشفيات جهات متعددة، فبالإضافة للمهندسين والمقاولين يشارك سكان المناطق التي تستخدم هذه المباني في إبداء آرائهم وتحديد احتياجاتهم العلاجية واختيار مواقع البناء، كما يشارك العاملين في المستشفيات (والمرضى كذلك) في إبداء الرأي واقتراح التطويرات التي يجب مراعاتها، وهناك الجهات المسئولة عن القطاعات الصحية على كافة المستويات الوطنية والمناطقية والمحلية التي ترجع إليها مسئولية تنظيم وتوفير الخدمات الصحية للمواطنين ، كما تقوم بإتخاذ القرارات المختلفة التي تسبق عمليات التصميم والبناء والتشغيل والتي تشرف عليها للتأكد من تأديتها بطريقة صحيحة وإقتصادية. بالإضافة إلى ذلك ، اليوم يجب أن تكون مباني المستشفيات محافظة على البيئة ، وأن تتكيف مبانيها مع الاستعمالات المختلفة والتطورات والتغييرات الفراغية التي تؤثر على المباني وتتأثر بها ، وأن تكون مرنة بالقدر الكافي لتسمح بتطوير المباني كلما دعت الحاجة .
إن أي مشروع إنشاء مستشفى يجب أن تسبقه دراسات تحليلية شاملة تؤدي إلى نجاح المشروع، وتهتم هذه الدراسات بتحديد الأولويات الصحية على المستوى الوطني والمناطق والمدن والأحياء وأن تأخذ في الإعتبار الخصائص المحلية مثل إعداد السكان ، واحتياجاتهم الصحية، ومخطط توزيع الخدمات الصحية في الأحياء والمدن والمناطق التي تعده الجهات المسئولة لتحديد التخصصات الصحية المطلوبة، وعادة ما تحدد مدة 5 سنوات لإعداد الدراسات الأولية للخدمات الصحية ، وهي مدة كافية لكي يتم تحديد الخدمات التي يجب أن تلبيها المستشفيات ومحتوياتها من تخصصات طبية وسعات وتجهيزات.
من جهة أخرى يخضع تأمين وتوزيع الخدمات الصحية على المستوى الوطني لأنظمة تقوم على مبادئ يتم تحديدها على أعلى المستويات مثل : تأمين الوقاية من الأمرااض ، ونشر وتطور الخدمات الإسعافية الأولية، ومراعاة حقوق المرضى، كما تهدف إلى تأمين استمرارية الخدمات القائمة على أساس تأمين الوقاية والعلاج والتأهيل العلمي ، ونتيجة لذلك و في الآونة الأخيرة أصبحت المشاركة الأهلية مع الجهات الصحية في إتخاذ القرارات الخاصة بإنشاء مشاريع المستشفيات أمراً ضرورياً، لكي يتم التأكد من تلبية كافة إحتياجات المواطنين الصحية.
دور المعماري في تصميم المستشفيات
يمكن تلخيص دور المعماري في تصميم وتنفيذ مشروعات مباني المستشفيات إلى عدد من المهام ، هي : ـ
1 ـ التعاون مع جهات مختلفة في تحديد استراتيجية إنشاء المستشفى، هذه الجهات تتكون من شركاء داخلين في عملية البناء وآخرين خارجين عن عملية البناء مثل الأهالي والجهات الصحية المحلية.
2 ـ إعداد التنظيم الفراغي لمكونات المستشفى بحيث يحقق استعمالات مريحة في استقبال المرضى ومرافقيهم، وتوفير فراغات ذات قياسات إنسانية ومناسبة للعمل ، وتحديدالعلاقات فيما بينها بحيث تحقق توجيه طبيعي للحركة (حركة المرضى والزوار والعاملين)، وتوفر النقاهة وتعزز من فرص الشفاءوتحقيق بيئة شفائية مريحة.
3 ـ إعداد تصميم فراغي يراعي أولاً حركة المرضى على ضوء التقسيمات الوظيفية والحدود المادية للخدمات ، كما يجب أن يقوم بتصميم القاعدة التقنية ( أجنحة العمليات والتجهيزات الطبية الثقيلة .. إلخ) كونها قلب المستشفى وبحيث تكون مفتوحة للاستخدام من قبل المتخصصين ولتخدم المنطقة الجغرافية التي تقع فيها المستشفي، كما يجب أن ترتبط القاعدة التقنية بالطوارئ وأن تقدم خدمات للحالات الطارئة.
4 ـ يجب أن يراعي التصميم تقديم خدمات الاسعاف، وخدمات علاجية متنقلة، وتأمين العلاج للمرضى والحالات المرضية المزمنة أينما كانوا في المنطقة الجغرافية التي تخدمها المستشفى، كما يراعي التصميم توفير الفراغات الإدارية ومتابعة المرضى وتوفير وسائل التواصل مع العاملين مثل متابعة سيرة المريض العلاجية وتوفير التجهيزات اللازمة للتواصل بين الأطباء داخل وخارج المستشفى.
5 ـ يجب أن يعتمد التصميم على إيجاد تصميم ذو وحدات متكررة وقابلة للتطوير نتيجة للحاجة الدائمة إلى التغيير وإعادة الاستخدام المستمر للمباني، وذلك على ضوء التطوير المستمر للعلوم الصحية والتقنيات العلاجية، وكذلك لزيادة الطلب على الخدمات الصحية من حيث الزيادة المستمرة في أعداد السكان والتطور المستمر كذلك في أساليب الحياة.
6 ـ في هذا الصدد يجب على المعماري أن ينظر إلى إيجاد حلول لما يمكن أن تؤول إليه مباني المستشفيات في المستقبل عن طريق إيجاد خدمات علاجية متحركة أو عندما يتم الإستغناءعن خدمات المستشفى أن يتحول المبنى من وظيفته كمستشفى إلى إيواء وظائف أخرى مكتبية أو فندقية .. إلخ.
7 ـ يجب على المعماري البحث عن حلول تنظيمية جديدة لتطوير وتحسين العمل الصحي في المستشفيات، فمثلاً في المستشفيات الجامعية التي ترتبط فيها المباني التعليمية بالمباني العلاجية والبحثية يمكن دمج هذه الوظائف الثلاث في مبنى واحد من خلال تصميم يراعي هذا الدمج ، ويوفر لكل وظيفة كل احتياجاتها.
8 ـ يجب أن يراعي التصميم المعماري للمستشفيات التقليل من البصمة الكربونية للمباني سواء المباشرة أو غير المباشرة ، ولتحقيق ذلك يجب ومنذ بداية التصميم مراعاة :
أ ـ اختيار موقع مناسب لأرض المشروع، وإختيار مواقع المباني فوقها، واختيار طرق التنفيذ التي تقلل من تأثير هذه البصمة على البيئة المحيطة .
ب ـ توفير حركة نقل (مركبات ومشاة) واضحة تسهل التوجيه للفعاليات المختلفة وتقتصد في زمن التنقل.
ج ـ مراعاة توفير الإضاءة الطبيعية والصناعية الصحية وامكانية اختيار مواد بناء و عزل حراري وصوتي توفر في هذه البصمة.
ء ـ مراعاة تصميم الغلاف الخارجي لمباني المستشفيات ليوفر حلول بيئية إقتصادية.
تطور الأساليب العلاجية الصحية المعاصرة
في الوقت الحالي تسعى الجهات القائمة على الصحة وبناء المستشفيات إلى التقليل من الفترة العلاجية للمرضى داخل المستشفيات، وذلك نتيجة للتكلفة العالية للعلاج، ونتيجة للتقدم في وسائل العلاج التي تساهم في التعجيل بشفاء المرضى، فالتطور الطبي أدى إلى استحداث تجهيزات وأساليب جديدة تساعد على الكشف السريع على الأمراض، ولكنها تجهيزات وأساليب تدفع بزيادة تكاليف العلاج . شمل التطور في الأجهزة تطوير أجهزة الأشعة المقطعية بالتحديد التي تحدد المكان الدقيق اللازم التدخل فيه جراحياً، كما ساعدت وسائل التخدير والافاقة الحالية على سرعة إفاقة المرضى، وكل هذه التحسينات ستساعد في امكانية زيادة وتيرة إجراء العلاجات والعمليات الجراحية داخل المستشفيات. كما أدى التطور الصحي وتطور سبل الحياة المعاصرة و زيادة نسبة المسنين إلى عدد السكان، وتطور الأمراض المزمنة، إلى إعادة النظر في تطوير طرق العلاج خارج حدود المستشفيات. فتطورت الخدمات العلاجية الخارجية لمتابعة المرضى في منازلهم وأصبح هناك إمكانية لتقديم العلاج اليومي لمرضى الأمراض المزمنة لفترات وجيزة داخل المستشفى ، يمكن بعدها لهؤلاء المرضى مزاولة حياتهم الطبيعية باقي الأوقات و الرجوع لمنازلهم ، الأمر الذي قد يساعد على زيادة فرص الشفاء من وجهة النظر النفسية.
ونتيجة للمساعدة على عدم تنقل المرضى بين الوحدات العلاجية والتشخيصية أصبح يفضل تجميع الأقسام العلاجية والجراحية في مكان واحد. ففي الماضي كانت هذه الأقسام تصمم في مباني منفصلة حسب كل تخصص، وقد تكون في مواقع متباعدة في المدينة أو في مباني مستقلة داخل مواقع المستشفيات ، اليوم يفضل تجميعها في مكان واحد مما يستدعي إعادة النظر في التوزيع الداخلي لهذه الوظائف الصحية بحيث تضمن وضوح حركة السير وانتقال المرضى بينها بيسر وسهولة، مما يوفر الكثير من الوقت ويبدو أنها توفر كذلك في إستهلاك الطاقة، وترفع من الكفاءة العلاجية من خلال الخدمات المشتركة.
كما يلاحظ من جانب آخر الاعتماد على المعلوماتية الحديثة وتجميع المعلومات وملفات المرضى في أنظمة إلكترونية معلوماتية تساعد على إنتقال المعلومات الخاصة بالمريض بسرعة فائقة، ويمكن أن توفر في الوقت والطاقة وتساعد على راحة المرضى .
دفعت هذه الأسباب والتطويرات الرئيسة في المجال الصحي إلى ضرورة إعادة النظر في تصميم المستشفيات ودور وشكل المباني وإيجاد حلول فضائية مناسبة لهذا المناخ الطبي الجديد، الذي يهدف بشكل عام إلى إعادة النظر في أعداد ونوع الأسرة ( تفضل الغرف المنفردة) في أقسام التنويم ، كما يهدف إلى إعادة النظر في الأقسام التقنية العلاجية التي تضم التجهيزات الثقيلة والعمليات والطوارئ ووحدات العلاج والتشخيص والعيادات الخارجية . وهذا كله يهدف إلى الإقتصاد في الإستثمارات وتكاليف البناء والتشغيل في مباني المستشفيات، بحيث أصبح الإهتمام المعماري في تصميم مباني المستشفيات يهدف إلى إيجاد التوازن الكمي والمساحي بين الأقسام ذات التقنية الثقيلة والأقسام العلاجية وبين أقسام التنويم والاستقبال ومرافقها.
التوجهات المستقبلية للخدمات الصحية
يؤكد الباحثون على أنه يجب في المستقبل أن تنتشر الوسائل العلاجية وأن تزيد أعداد الوحدات العلاجية الصغيرة والمستوصفات التي يمكن أن تعمل على تشخيص الأمراض والعلاجات من خلال التواصل عبر الوسائل الإلكترونية الذكية.
ففي عام 2050م يتوقع أن تنتشر الوحدات العلاجية لتكون أقرب للمرضى في المدن والمناطق، وسوف يمكن أن تعزز قدراتها العلاجية من خلال التواصل الذكي بالمراكز الصحية الكبرى التي تتواجد فيها الخبرات الطبية العلاجية والتي يمكن الأطباء فيها أن يتواصلوا مع المرضى ويطلعون على سيرهم المرضية ، ويعزى ذلك إلى كون الأطباء والمتخصصون الصحيون بطبيعة الحال يفضلون العمل في مراكز المدن حيث الرواتب والبدلات والمميزات العالية، بواسطة وسائل الإتصال الحديثة هذه سوف يسمح لهؤلاء الأطباء إختبار المراكز التي يأملون العمل فيها ، و أن يتم إنشاء مراكز مصغرة في المناطق البعيدة تعتمد عمليات العلاج فيها على الاستعانة بالمتخصصين عبر التواصل الذكي.
هذا الحل سوف يوفر للأطباء المميزات التي يأملون الحصول عليها، وسيعزز من راحة المرضى بحيث أنه لن تكون هناك ضرورة لإنتقالهم أو لسفرهم إلى المراكز الصحية الكبرى ذات الخدمات الطبية العالية. إنها حلول إقتصادية لتوفير كافة التخصصات الطبية ووسائلها زمانياً ومكانياً.
كما يتوقع أن يكون المسكن هو المركز العلاجي وليس المستشفى من خلال إجراء التوعية أولاً والوقاية الصحية ثانياً.
اليوم؛ يمكن نقل الصور ثلاثية الأبعاد (Holograms) والكشف على أعضاء الجسم عبر شبكات التواصل بالإضافة إلى زراعة خلايا رقابة داخل الأجسام للكشف على الأمراض ومراقبة الحالات المرضية المزمنة أو قياس ضغط الدم .. .إلخ. ويمكن أن يؤدي تشخيص الأمراض عبر هذه الوسائل إلى علاج الكثير من المرضى داخل مساكنهم ، وخاصة الأطفال وسهولة إطمئنان الأباء على أبنائهم سريعاً والتعرف على حالتهم الصحية.
إن هذه التوجهات لاتشكل إلا أمثلة على ضرورة إعادة النظر في تصميم مباني المستشفيات بطريقة أعمق وأكثر دقة مما كان يتعامل به المعماريون في السابق.
برمجة مشروع المستشفى
عادة ما تؤدي البرمجة إلى إتساع دائرة البحث والنقاش بهدف دمج المشروع في سياقه الفضائي وتقوية التكامل الداخلي والتناغم مع البيئة من حوله، ولذلك يجب أن تقوم البرمجة على أساس نظام هيكلي يتم فيه ترتيب الأولويات حسب تسلسل هرمي تبعاً لأهميتها ، وتتم البرمجة من خلال 3 مراحل : تحديد الأهداف، التعريف وتحديد المكونات والمعطيات المختلفة للمشروع، تقييم المكونات والمعطيات على أساس ما إذا كانت معطيات مؤكدة أو غير مؤكدة .
وعموماً هناك 4 محددات تصميمية ضرورية أساسية يجب أن تؤخذ في الإعنبار عند برمجة مشروع المستشفى :
1 ـ محددات وظيفية : وتهتم بالأنشطة والخدمات والاستعمالات التي يجب على المبرمج تحديدها لوضع هيكل تنظيمي إنساني ومادي لكل ما يتعلق بالمستعملين والمرتادين للمبنى.
2 ـ محددات عمرانية : معمارية وتقنية وتراعي الاحتياجات الضرورية لتأمين عملية التصميم والتنفيذ للمستشفى سواء كان مشروع جديد أو إعادة تأهيل.
3 ـ محددات قانونية وتنظيمية : وتتعلق بكل الاحتياطات التي يجب أخذها لسلامة وأمن المباني من معايير وكودات بناء وحماية من الحريق وقوانين العمالة وكل الأنظمة والمعايير التي تتعلق بتشغيل كل قسم من أقسام المستشفى.
4 ـ محددات إقتصادية : وتتعلق بالتحكم الصارم في مراقبة تكلفة المشروع بدءاً من أعمال البرمجة ثم التصميم ثم التنفيذ ثم التشغيل .
ويمكن إضافة محدد خامس وهو محدد الاستدامة والذي يجب إضافته لكل محدد من المحددات الأربعة السابقة الذكر. ولذلك يتطلب إعداد برمجة المشروع الصحي الإستعانة بعدد من الخبراء والجهات ولا يجب أن يتم إعداده من جهة واحدة أو مسئول واحد.
تهدف الدراسات في مرحلة البرمجة إلي الوصول إلى تحديد الأحجام والمساحات والكميات والطلب على كل قسم أو قطاع، كما تحدد الأقسام العلاجية والمستعملين، عدد العاملين والمساحة الخاصة بكل قسم وتفاصيلها.. إلخ.
تحدد البرمجة كذلك رسومات تنظم العلاقات الفراغية بين الوظائف المختلفة ورسومات تنظم حركة التدفقات المختلفة من مركبات، ومشاة، ومسارات المواد ( المواد الإدارية، التغذية، النفايات)، وكل هذه العناصر تتبع في تقدير أهميتها وقيمتها وعلاقتها ببعضها البعض معايير وأنظمة يتم وضعها من قبل الجهات المختلفة المسئولة عن القطاع الصحي.
كما يتم في مرحلة البرمجة دراسة الموقع الذي سيتم إنشاء المشروع عليه وحصر القوانين والأنظمة العمرانية التي سوف يتأثر بها المشروع ، كما يتم إعداد دراسة تحليلية عن المعطيات البيئية للموقع وماهي المتطلبات الاستدامية التي يجب أن يحققها المشروع.
التصميم المعماري للمستشفى
يعتبر التصميم المعماري للمشروع القاعدة الأساسية لمشروع المستشفى ، فهو الذي يحدد تطور العمل في المشروع وعلاقته بالموقع وتحقيق البرنامج والاستعمالات أو بمعنى آخر يحدد حياة المبنى، ولذلك فإن كل مرحلة من مراحل التصميم المعماري تأخذ أهمية كبيرة.
إن التطور الحاصل اليوم في مجال تصميم المستشفيات الذي نتج عن تطور الاستعمالات والعادات الصحية يدفع إلى إعادة النظر في التصميم التقليدي للمستشفيات، ويعني ذلك إعادة النظر في طريقة طرح الفكرة والشكل المعماري والتوزيع الداخلي والخارجي للوظائف المختلفة للمستشفى.
وعادة ما تكمن الصعوبة في تصميم المشروع المعماري في اختيار فكرة تلبي احتياجات المشروع وتكون ذات شكل جذاب و تكون إقتصادية في آن واحد، على أن ذلك أصبح اليوم أكثر صعوبة نتيجة لزيادة المتطلبات الصحية والتقنية، وخاصة تلك التي تهتم بالاستدامة
و التطوير الشامل نتيجة إلى كون الاستدامة تنظر إلى المشروع الحالي والمستقبلي للمستشفى، وتأخذ في الإعتبار التطورات التي يمكن أن تحدث للمشروع منذ البدء بالتفكير في التصميم وحتى الإنتهاء من تنفيذه ثم تشغيله وحتى يصبح المشروع عديم النفع وتنتهي دورة حياته.
من التطورات الحديثة في المجال الصحي التطور المستمر في التجهيزات والآلات العلاجية والتطورات الإدارية والهيكلية للعمل الصحي بالإضافة إلى التطورات الاجتماعية والتقنية، فمثلاً الإضاءة الجيدة أصبحت اليوم أحد أهم المتطلبات التي يجب توفيرها نتيجة للتطورات الحاصلة في مجال الإضاءة، وكل هذه التطورات لها تأثير مباشر على تكلفة المستشفى.
وتتأثر المكونات المختلفة للمستشفيات بهذه التحولات. ومن أهم المكونات الرئيسة للمستشفيات التي تأثرت واستفادت بالتوجهات الحديثة قسم الاستقبال، قسم التنويم ، الوظائف العلاجية ذات التقنيات الثقيلة، غرف العمليات، الإفاقة ، والأشعة والطوارئ.
قسم الإستقبال : التطورات الحاصلة في هذا القسم تدخل في إطار المعالجة العمرانية والمعمارية للمستشفى وتأثيرها الهام على الزوار كونها تربط الخارج بالداخل.
قسم التنويم : نتيجة إلى ظهور توجهات جديدة لطرق العلاج ومنها فكرة تحويل المسكن إلى مكان لعلاج المرضى بدلاً من إقامتهم بالمستشفيات، فإن هذا القسم بدأ يأخذ تشكيلات جديدة، ولعل أهمها التركيز على الغرف الفردية للمرضى والتقليل من الغرف التي كانت تضم أكثر من مريض.
الأقسام العلاجية ذات الآلات والتجهيزات الثقيلة : فهذه ونتيجة للتوجهات الحديثة بدأت تتطور في هيكلتها نتيجة لزيادة تخصصاتها والتوجه إلى جمع عدد منها داخل المستشفى الواحد لتقليل العبء على المرضى والحاجة إلى التنطيم الداخلي الدقيق ما يستدعى زيادة حجم مباني المستشفيات و من حيث العلاقات الفراغية والحركة بين هذه الأقسام ، بالإضافة إلى التجميع المكثف لهذه الأقسام في حيز واحد تنشأ مشكلة الحركة بين الأقسام نتيجة لإستطالة المسافة بين قسم وآخر وضرورة تحديد المسافة القصوى بين الأقسام . لقد أدى ذلك إلى تنظيم المستشفيات على شكل مباني ذات مستويات متعددة تكون الأقسام ذات الآلات والتجهيزات الثقيلة والطوارئ والعيادات الخارجية في الدورين الأرضي والأول بحيث تشكل قاعدة ترتفع فوقها أقسام التنويم للمستشفى على هيئة أبراج، أو يتم تجميع الأقسام العلاجية والتقنية الثقيلة في مبنى ذي مستويات متعددة. وتهدف كل هذه الحلول تقليل المسافات بين الأقسام و تقريب وتجميع أكبر عدد من التخصصات في مساحة واحدة ، و الحد من تمدد المباني أفقياً.
كما أن هناك تنظيم جديد للاستعمالات يجعل الأقسام العلاجية الثقيلة على المحيط الخارجي للمباني، وفي المساحات الداخلية يتم وضع الأقسام الأخرى والتنويم ويتم توفير أفنية داخلية توفر الإضاءة الطبيعية .
من جهة أخرى أصبحت المرونة في الاستعمال والتغيير إحدى أساسيات التصميم المعماري للمباني الصحية نتيجة للتطورات السريعة في المجال الصحي، سواء على مستوى التجهيزات أو على مستوى االاستراتيجيات الصحية والإدارية الحديثة .
من الضروري كذلك أن تؤخذ في الإعتبار طرق العمل الداخلية أو اللوجستية لكافة الأقسام بحيث لا يشكل التصميم المعماري عائقاً لها. وتؤخذ في الإعتبار مسارات الحركة وأنواعها المختلفة سواء مسار الحركة الصحية (العاملين) أو الحركة العامة (الزوار والعاملين والطوارئ) أو الحركة اللوجستية التي يمكن أن تستخدم المسارات العامة أو تكون لها مسارات حركة خاصة للخدمات المختلفة (التغذية، النفايات، الغسيل.. إلخ).
من جهة أخرى يهتم التصميم المعماري بتحديد هوية المبنى الصحي أو المستشفى وإبراز القيم الصحية التي تتطور دائماً والتي يحددها المجتمع عبر الزمان والمكان ، بالإضافة إلى ذلك يهتم التصميم المعماري بأن تتناسب الهوية والشكل مع حجم أهمية المبنى الصحي ( المركز العلاجي، المستوصفات، المستشفى المتخصص والعام .. إلخ).
بشكل عام يجب أن يعالج التصميم المعماري نواحي مختلفة معمارية وسياسية وثقافية واجتماعية وتقنية واستدامية زمانياً ومكانياً في آن واحد، ومن جانب آخر يؤثر موقع المستشفى سواء كان داخل نسيج حضري ذو كثافة عالية أو كان على أطراف أو خارج هذه الكثافة البنائية على التصميم المعماري، حيث تتغير طرق وصول المرضى إلى المستشفى في كل حالة، كما يؤثر ويتأثر تصميم المستشفى بالعمران من حوله.
التصميم الداخلي
أحد العوامل الرئيسة لنجاح تصميم المستشفيات هو الاهتمام بالتصميم الداخلي وتفاصيله المختلفة من توزيع وتأثيث وحركة وإرشاد للحركة والأقسام. ويمكن القول بأن نجاح التصميم الداخلي هو نجاح التصميم الكامل للمستشفيات.
السلامة الصحية
أحد أهم المتطلبات الصحية لمباني المستشفيات هي السلامة الصحية والتي تعنى ضرورة أخذ كافة الاحتياطات والوسائل البنائية لمنع التلوث وتفشي الميكروبات وتجنب العدوى داخل المستشفيات ، وضرورة تطبيق مفهوم التعقيم والعزل الصحي للمرضى ، نتيجة لما هو حاصل اليوم من مقاومة الميكروبات والفيروسات للعقاقير.
أحد طرق انتشار الفيروسات التنفسية الشائعة هو عن طريق اللمس بالأيدي وخاصة بواسطة العاملين أثناء علاج المرضى، وكذلك طرق انتشار يكون سببها التصميم الخاطئ والذي قد يسبب تلوث البيئة الداخلية للمباني وما تحتويه من عناصر ثابتة أو متحركة، كالمفروشات والجدران وأدوات العلاج وأغطية الأسرة … إلخ. أو المتحركة كالهواء خاصة الهواء المنقول عبر أجهزة وقنوات التكييف أو داخل وسائل التخزين أو عبر خزائن الستائر الخارجية المتحركة. ومن أهم الأقسام التي قد تتأثر بهذه التلوثات غرف العمليات والأشعة وغرف الحالات الحرجة ومعامل التحليل وتحضير العقاقير. وقد تكون هناك مواد بناء تنبعث منها غازات تسبب أمراض أو سرطانات مثل بعض مواد الغراء اللاصق للأرضيات أو بعض المواد ذات التكوينات الحبيبية، ويمكن أن تأتي الأضرار من المواد السائلة المستخدمة في التنظيف أو تلك التي تستخدم في معامل التحليل ، أو من الغازات المستخدمة في مكائن التدفئة أو التكييف. وبشكل عام النفايات بأنواعها سواء كانت طبية أو عضوية والمواد التي يتم غسيلها وإعادة استخدامها مثل الأدوات الصحية أو شراشف وأغطية الأسرة والملبوسات المختلفة .. إلخ.
لذلك يجب أن يراعي التصميم تحديد المناطق ذات التحكم البيئي الدقيق والمناطق التي ينبعث منها التلوث والمناطق ذات الاستعمالات العادية التي لاتحتاج إلى تحكم أو تصنيف صحي. وعموماً يجب أن تهتم عملية السلامة الصحية بمعالجة الهواء والمياه ومياه الصرف ومياه الأمطار والنفايات بكافة الوسائل. كما تهتم السلامة الصحية بالطاقة الكهربائية وسلامة الغازات الطبية.
مشروع التطوير الشامل للمستشفيات
عندما يتم الأخذ في الإعتبار تطبيق معايير الاستدامة والتطوير الشامل على مباني المستشفيات، فإن ذلك يعني ضرورة تحقيق أهداف تتعلق بالمحافظة على الموارد وزيادة فعالية الخدمات الصحية والتقليل والحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن المستشفيات (النفايات مثلاً) أو المؤثرة على هذه المباني (الضوضاء مثلاً) كما يجب أن يهتم المشروع بالإقتصاد في استهلاك الفضاءات الطبيعية والمحافظة عليها والحد من التمدد الأفقي للرقعة المبنية ، و مراعاة التقليل من حركة النقل خلال عمليات البناء وكذلك حركة النقل والأشخاص والإمدادات من وإلى المستشفى ، كما يهتم بالاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمستشفى داخل النسيج السكاني وتحقيق حاجاتهم الصحية.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن يهدف التصميم إلى المحافظة على التنوع البيئي والتوفير في استهلاك الطاقة بكافة أنواعها، والتخلص من النفايات والقضاء على الضوضاء في مراحل البناء و بعد تشغيل المبنى مثل الضوضاء الناتجة عن حركة النقل حول المستشفى. وأخيراً توفير أعلى مستويات الراحة والنقاهة للمرضى في كافة فراغات المباني الصحية والمستشفيات.
خاتمة
اليوم لم تعد مباني المستشفيات مباني عادية بل أصبحت مباني ذات تعقيدات ترتبط بمجالات مختلفة تماماً عن بعضها. فهناك ما هو صحي ونفسي وهناك ماهي تقني ومعلوماتي ، وهناك ما هو اجتماعي واقتصادي وبيئي وثقافي … إلخ.
وما هو أهم من ذلك هو ضرورة تقديم مباني ذات تصميم معماري مبدع جميل ومريح يستوعب كل هذه التعقيدات من خلال حلول معمارية ذكية .
في هذا العدد نستعرض عدداً من المستشفيات والمراكز الصحية التي أستطاع معماريوها تقديم تصاميم ذات إبداع معماري وتقدم حلول مبسطة تعالج وتأخذ في إعتبارها التعقيدات المختلفة لمباني المستشفيات في إطار إنساني .
السيد السجيني says
موضوع ممتاز
safia aljanaby says
موضوع ممتاز
م.جلال مصطفى إفتيتة says
موضوع ممتاز وغني بالمعلومات
شكرا” لكم