من الواضح اليوم أن الأعباء والمسئوليات الملقاة على مصممي ومنفذي المباني قد زادت نتيجة لزيادة احتياجات المباني من التصميم المعماري والتقني للمشاريع. ففي السابق كانت البيئة مهملة من قبل المصممين، وفي كثير من الأحيان كانت المباني تصمم وتنفذ بدون إحترام للبيئة و المحافظة على الطاقة، و كان التصميم محصوراً في الجانب الجمالي والوظيفي. ومع زيادة عدد السكان ومع ظهور مشكلة الإحتباس الحراري وتناقص الموارد الطبيعية، ظهرت الضرورة إلى إعادة النظر جذرياً في المباني لكي لاتضر بالبيئة، فالمباني تستهلك بكثافة المواد الطبيعية والطاقات الغير متجددة وتتسبب في إنبعاث الغازات الدفيئة المسببة للإحتباس الحراري، مما أدى إلى ظهور قوانين وأنظمة جديدة في كثير من الدول (الصناعية خاصة) تدفع إلى التقليل من نفايات المباني والإقتصاد في الطاقة وتشجيع إستبدالها بالطاقات المتجددة، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى إعادة النظر في طرق تصميم وتنفيذ المباني من حيث ضرورة استخدام مواد لاتضر بالبيئة، ويمكن تدويرها لكي لا تفاقم من مشاكل التخلص من النفايات، وتكون اقتصادية في موادها الأولية، وأن لاتكون صناعتها مهدرة للطاقة أو ينبعث منها غاز الكربون ، وكذلك إعادة النظر في تصميم المباني من حيث توفير الحد الأقصى من الإضاءة الطبيعية لخفض استعمال الإضاءة الصناعية والطاقة، ومن حيث التوفير في المياه ، سواء على مستوى مواقع البناء أو استعمال وسائل جديدة لترشيد استخدام المياه . وكلها تستدعي إجراء دراسات وتصاميم جديدة بل أدى ذلك إلى إعادة النظر في العمل التصميمي ، فالمشروع لم يعد يصمم بالطرق التقليدية بل تم استخدام البرامج التصميمية الإلكترونية لكي تساعد على رفع العبء الهندسي عن المصممين سواء في التصميم أو الرسم وأفسحت المجال لكي يتم تعميق التصميم من خلال توثيق التعاون بين المصممين بمختلف تخصصاتهم.
النتيجة النهائية اليوم هي أن التصميم المعماري لم يعد ذلك التصميم التقليدي المبسط وإنما أصبح مشروعاً معقداً زادت متطلباته وزادت وسائل التعمق فيه وزادت التخصصات الداخلة فيه، بحيث أصبح من الصعب حل كل مشاكله دفعة واحدة . اليوم يتم تقديم التصميم على مشروعين : مشروع يأخذ في إعتباره الجوانب التقليدية (المعماري، الإنشائي، الكهرباء، الميكانيكا.. إلخ). ومشروع آخر هو مشروع استدامي يلبي الاحتياجات المتعلقة بالتوفير في الطاقة والمواد واختيارها ومتابعة دورة حياة المبنى . ففي السابق كانت المباني تصمم لأفاق زمنية قريبة، اليوم يتطلب الأمر مراعاة إمكانية تغيير وظيفة المبنى وماذا يمكن أن يؤثر فيه المبنى سلبياً على البيئة طيلة مراحل تشغيله ، ثم عند الإستغناء والتخلص من مواده بعد هدمه. مما يجعل المهنة أكثر صعوبة و يدفع إلى زيادة الأعباء المالية للمشروع سواء على مستوى التصميم أو التنفيذ. في الوقت الذي بدأنا نحضر لمرحلة ما بعد البترول بشكل جدي ، فإنه لابد من إعادة النظر في العمل المهني الهندسي وتقدير المسئولية الملقاة على كاهل المهندسين من مصممين ومنفذين، وحل أهم مشكلة ألا وهي كيف سيتم زيادة الأتعاب الهندسية لتعويض المهندسين على زيادة حجم المسئولية والأعباء المهنية.
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد