تشكيل معاصر ومادة صديقة للبيئة
الخرسانة مادة بناء صناعية تتكون من الماء والحصى والرمل ومادة لاصقة هي الكلنكر التي تتكون بدورها من الكالسيوم والسيليكا يتم حرقها إلى درجات حرارة عالية لتكوين المادة النهائية أو الأسمنت، ولكنها مادة مثيرة معمارياً فهي مادة سهلة التشكيل، كما أنها مادة إنشائية ذات صلابة عالية، ولذلك انتشر استخدامها حول العالم . وقد بدأ استخدامها في بداية القرن العشرين كمادة إنشائية فقط يتم دهانها أو تلبيسها بمواد أخرى جمالية فمظهرها الطبيعي لم يكن يتلائم مع العمارة والثقافة في البداية استخدامها المعماري المعروف
Le Corbusier في عمل النظام الإنشائي بلاطات، كمرات أعمدة الذي مازال يستخدم حتى يومنا هذا في بناء الهيكل الإنشائي للمباني ، ثم استخدامها كمادة إنشاء ونهو في نفس الوقت وأطلق البعض على هذه العمارة (العمارة الوحشية) (Brutal Architecture)
نظراً للصلابة والضخامة المظهرية التي كانت تتصف
بها مبانيها.
ومع ضرورة المحافظة على الطاقة وظهور المشاكل البيئية الناتجة عن الصناعات الأكثر استهلاكاً للطاقة والأكثر انبعاثاً للكربون أصبحت الخرسانة التقليدية مادة غير مرغوب فيها ، إلا أنه مع الوقت بدأت تظهر تحسينات مختلفة لتحول المادة من مظهرها الوحشي إلى مظهر إنساني جديد. فظهرت الخرسانة ذات الملمس الناعم وألوانها الفاتحة واستخدمت قوالب لزخرفة الواجهات الخرسانية بل ظهرت خرسانات جديدة تمتاز بالصلابة من 6 ــ 8 مرات أكثر من الخرسانة التقليدية تقلل من ضخامة أشكالها وتجعل مكوناتها أكثر نحافة بكثير من ذي قبل وإنشائية في نفس الوقت ، تعرف تلك الخرسانة بخرسانة الألياف (UHPFRC) وهي خرسانة يتم مزجها بألياف من لدائن صناعية أو ألياف معدنية بحيث تعطي للخرسانة قوة تحمل ضغط أعلى مما كانت عليه وتساعد في جعل المادة أكثر قبولاً لقوى الشد.
إنها خرسانة تستخدم بدون أي إضافات عليها، وهي قادرة على عزل الماء نظراً للكثافة المادية لها ومقاومة للعوامل الكيمائية الخارجية.
من الناحية المعمارية هذا يعني الكثير ، فالمعماريون يحتاجون إلى هذا النوع من المواد الذي يعطى لهم أكثر من البعد التشكيلي، البعد الإنشائي، البعد الإقتصادي، الذي يجعل المعماري أكثر حرية عند تشكيل مبناه ، كونه يتعامل مع مادة إقتصادية تجمع بين المظهر والشكل والصلابة في آن واحد. ولذلك نجد أن هناك عدد من مشاهير المعماريين في العالم يتعاملون بهذه المادة في كافة مشاريعهم دون غيرها ، أمثال الياباني تادو آندو والفرنسي ريسيوتي، وغيرهم من المعماريين على مستوى العالم، حتى أصبحت الخرسانة مادة تستجيب للمعماري معمارياً أكثر من جانبها الإنشائي، لأنها تعطي التعبير خواص متناقضة القسوة أو النعومة و التجريد أوالزخرفة.
إن الأبحاث الجارية اليوم على هذه المادة والخاصة بتطويع هذه المادة لمتطلبات الإستدامة تظهر أن المادة مازالت تخفي الكثير من قدرتها على الاستجابة لكافة الحلول اليوم يبدو أن الخرسانة سوف تكون مضيئة و قادرة على إنتاج الكهرباء و قادرة على معالجة الشقوق الحاصلة فيها ذاتياً وكذلك هناك خرسانة عازلة للصوت و أخرى عازلة للحرارة أو بمعنى آخر خرسانة إقتصادية تحترم البيئة وتستخدم أقل كمية من الأسمنت في المباني.
فالخرسانة مادة تقبل بإضافة المحسنات إليها بحيث يمكن تغيير مكوناتها و استبدالها أو الإضافة عليها لكي تظهر بمواصفات فنية وتشكيلات معمارية جديدة.
في هذا العدد نتناول عدد من المشاريع المعمارية المعاصرة والتي تتناول جوانب مختلفة من العمارة الخرسانية الحديثة شكلاً ومضموناً وتقنية. لقد حاولنا أن نظهر الدور المعماري للخرسانة في هذه المباني وطرق التصميم والإنشاء المستحدثة فيها . نأمل أن نكون قد وفقنا في نقل جانب من إيجابيات هذه المادة والدور الهام الذي تلعبه لكي تكون مادة تشكيل من الطراز الأول ومادة صديقة للبيئة في نفس الوقت.
إضافة تعليق جديد