في العام الماضي تناولنا موضوع المسكن من جانبه الاجتماعي على مستوى تصميم الحي ثم تصميم الوحدة السكنية. في هذا العام نحاول أن نتعرف على جانب معماري آخر للمسكن لا يقل أهمية وهو العلاقة بين المسكن والتحولات المناخية التي جاءت نتيجة الاحتباس الحراري، الموضوع قطع فيه شوط كبير في مناطق من العالم وفي مناطق أخرى لم يزل الموضوع غير مطروح، مع أن التحولات المناخية هي أهم مظاهر الاحتباس الحراري والتي تتمثل في ارتفاع حرارة الأرض ، وما يمكن أن يحدث في المناخ الكوني نتيجة لذلك. في منطقتنا يتمثل التحول في ارتفاع درجات الحرارة على مدار السنة وتكرار حدوث السيول في مناطق أخرى تكثر الأعاصير العاتية وترتفع مستويات معدلات الأمطار، وفي أخرى يحدث الجفاف وفي أخرى تذوب الثلوج.. وهكذا. هذه الصورة الجغرافية الجديده تعني أنه يتوجب علينا إعادة النظر في عمران المدن وخاصةً في منطقتنا التي ارتفعت فيها درجات الحرارة و ازداد الاعتماد على التكييف الميكني الذي بدوره يؤثر إقتصادياً وبيئياً على العمران ، إقتصادياً لأن تبريد المباني لمواجهة إرتفاع الحرارة يحتاج إلى إستهلاك كم أكبر من الطاقة في الوقت الذي شحت فيه مواردها وارتفعت أسعارها، كما أننا نعتمد في منطقتنا على الطاقة الاحفورية التي يعتمد عليها إقتصادنا ، وأخيراً فإن استخدام هذه الطاقة الاحفورية في المباني وفي النقل أي في المدينة يؤدي إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أحد الغازات الدفيئة التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض .
البعض يرى أن الحماية من الحرارة يكون من خلال عزل المباني حرارياً بينما يرى البعض أن فكرة العزل لن تشكل الحل بمفردها لعدة لأسباب : أولها أن العزل الحراري الجيد مرتفع الكلفة وثانياً أننا مازلنا نبني بتقنيات تقليدية لاتساعد على تنفيذ أعمال العزل الحراري بإحكام. وهناك سبب آخر يدفع إلى البحث عن أفكار جديدة ، فالمعروف أن هناك أحياء كثيرة داخل مدن المنطقة لم تراعي استخدام العزل الحراري ومحاولة عزلها الآن ستكلف مبالغ طائلة لايمكن بأي حال من الأحوال أن يتحملها الأهالي أو الإدارات المحلية. لذلك فإن التركيز على إنتاج طاقة رخيصة ونظيفة ربما يكون أكثر قبولاً. أحد الحلول هو أن تنتج المباني طاقتها ذاتياً، وهذا الحل أصبح شبه شائع في بعض مناطق العالم بالإعتماد على الحصول على الطاقة من الشمس أو جوف الأرض أو من الرياح.
المشاكل البيئية لاتقتصر فقط على التحولات المناخية وهناك محاولات أخرى مثل التخلص من النفايات أو استخدامها كمورد جديد ومثل التعامل مع البيئة والاستفادة من إيجابياتها، النظر إلى حل كل المشاكل البيئية مازال حديثاً وسوف يستغرق وقتاً لكي تظهر أبحاث تقدم حلول متكاملة لكافة المشاكل، ونحن بحاجة في منطقتنا إلى تفعيل هذا النوع من الأبحاث حيث تنفرد منطقتنا بطبيعة تختلف عن كثير من مناطق العالم.
في هذا العدد نعرض مجمعات سكنية معاصرة تتعامل مع الجوانب التقنية والبيئية بشكل ذكي ، كما نتطرق إلى موضوع التحولات المناخية من خلال إستعراض أبحاث لثلاثة مهندسين من ألمانيا وهولندا وهونج كونج حول مستقبل المسكن في ضوء التحولات المناخية.
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد