إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
مقدمة
يعتبر بناء المدارس أداة سياسة وطنية، فتختلف الآراء مثلاً حول ما إذا كان يجب أن يكون الإستثمار في بناء مدارس جديدة ، أم يتم توسعة وتأهيل المدارس القائمة.
كما أن بناء المدارس هو مسئولية اجتماعية وطنية سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي ، فالمبنى المدرسي هو أول مبنى حكومي يستخدمه النشئ، وهو المبنى الذي يحتضن البيئة التي سوف تربي وتعلم ، ولذلك يلعب تصميم المدارس دوراً هاماً في العملية التعليمية ، وإن كان هذا الدور لا يؤثر مباشرة على أداء العملية التعليمية ونجاح الطالب، إلا أنه يستطيع أن يوفر فضاءات تشجع على هذا الأداء وهذا النجاح.
يحاول المقال أن يستعرض بعض من الأمثلة الناجحة حول كيف يمكن للتصميم المعماري أن يحسن العملية التعليمية بالنسبة للمدرسين والطلاب. فإذا لم تنجح الفضاءات المدرسية في تشجيع الطلاب على التعليم فماذا يمكن أن تكون الفائدة منها إذاً ؟
تقع مسئولية عملية بناء المدارس على 3 جهات وهي: الحكومة والمصمم والمنفذ، وتعتبر الحكومة هي أهم هذه الجهات .
دور الجهات الحكومية في بناء المدارس
تعتبر الجهات الحكومية المسئول الرئيس عن التعليم في أي دولة في العالم، فالتعليم هو مطلب أساس يجب أن تقوم بتلبيته كل دولة ، وهو أداة سياسية واجتماعية، وقد تختلف السياسة التعليمية بين دولة وأخرى ، وقد يحدث اختلاف في الآراء داخل الدولة الواحدة حول السياسة التعليمية التي يجب إعتمادها .
تقوم الجهات الحكومية بوضع سياسة التعليم و البرامج التعيلمية. في كثير من الأحيان تكون الجهات الحكومية هي الجهة صاحبة المشروع التعليمي، وقد تشارك آخرين فيه، أو تسمح للقطاع الخاص بإنشاء المدارس .
و في إطار بناء المشروعات التعليمية تتولى الجهات الحكومية المهام التالية :
ـ إعداد دراسات الجدوى للمباني التعليمية .
ـ إعداد البرنامج الوظيفي والمساحي.
ـ التمويل و الصرف على المشروعات ومراقبته لكي يبقى في حدود الميزانيات الموضوعة .
ـ الموافقة على طريقة البناء.
ـ إبرام العقود مع الجهات القائمة على التصاميم الهندسية والتنفيذ.
ونظراً لكون هذه المهام معقدة ومتشعبة وتحتاج إلى تخصصات مختلفة فقد توكل الجهة الحكومية مهامها هذه إلى جهات متخصصة تحل محلها.
تمويل إنشاء المباني المدرسية :
يعتبر الحصول على التمويل من أهم المسئوليات الحكومية ويشمل المصروفات التي يتطلبها بناء المشروع التعليمي منذ بداية إعداد البرنامج الوظيفي والمساحي وحتى تسليم المبنى، كما يتم تحديد العلاقة بين المصروفات الخاصة ببناء المشروع والمصروفات الخاصة بصيانة وتشغيل المباني ، ويجب أن يأخذ التمويل في الاعتبار تحقيق مشروع تعليمي ذو قيمة معمارية عالية. كما يهتم باختيار مواد البناء المناسبة والتي يمكن أن تؤثر على عمر المبنى وعلى تكاليف صيانته. و تكون النوعية هي الأساس في الإختيار. لأن محاولة خفض تكلفة المباني لخفض التمويل قد تأتي بنتائج سلبية تزيد من التكلفة فيما بعد إنشاء المبنى ، فقد يحذف التمويل تكاليف معالجة تربة الموقع الغير صالحة للبناء عليها، أو يتم اختيار مواد تكسية أو وحدات إنارة أو زجاج نوافذ ذات نوعيات متدنية لخفض التكاليف. ويمكن لتجنب هذه السلبيات الاستفادة من التجارب السابقة لبناء المدارس وسؤال المختصين في البناء والمراقبين الحكوميين على إنشاء المدارس.
أما مجال الصيانة والتشغيل، يهتم التمويل بتحديد تكاليف عمالة التنظيف ومصاريف إستهلاك الطاقة والماء ومعدات الصيانة والمواد المدرسية المختلفة، كما يتضمن تكاليف المحافظة على المباني وملائمتها للإستعمالات المدرسية المختلفة . وعادة ماتقدر مدة صيانة وتشغيل المباني بخمسين عاماً ( هو العمر الافتراضي للمبنى) أما تكلفتها فتقدر سنوياً بنسبة 2 ٪ من التكلفة الإجمالية لبناء المشروع التعليمي، هذه التكلفة تقدر على أساس إبقاء المباني قادرة على التكيف مع المستجدات والتطويرات التعليمية بما في ذلك المحافظة على متانة المبنى، وعادة ما تأخذ تكلفة الصيانة والتشغيل أهمية كبرى بعد مرور العشر سنوات الأولى من عمر المبنى، الأمر الذي يستدعي أخذها في الإعتبار عند تقدير التمويل اللازم للمبنى التعليمي.
و يمكن أن تشترك الحكومة مع القطاع الخاص في بناء المدارس، ويعتمد هذا التمويل الخاص على مستثمر أو تجمع مستثمرين تقع عليه مسئولية بناء المدارس وتشغيلها وصيانتها والانتفاع منها ، وبالمقابل تقوم الحكومة بإستئجار المباني منه لمدة زمنية محددة قد تصل إلى 20 عام. هذه الطريقة تسمح للحكومات بجدولة صرفها على بناء المدارس ، كما يمكن أن تضع الحكومة شروط ومميزات يمكن أن تستفيد منها مثل مراعاة تطبيق مبادئ الاستدامة والمحافظة على البيئة عند بناء هذه المدارس وتطبيق معايير أمن وسلامة وصيانة وتشغيل عالية حيث تصبح كلها مسئولية الجهات الممولة للمشروع.
هذه المدارس عادة ما ترجع ملكيتها إلى الحكومة بعد إنقضاء مدة الإنتقاع منها ، وقد تقوم جهات خاصة خيرية ببناء المدارس ، وتحرص الحكومة على أن تكون مثل هذه المشروعات تلبي خططها التعليمية.
إعداد دراسات الجدوى :
تعتمد دراسات الجدوى على احصائيات يتم جمعها بطريقة استباقية من قبل الحكومة لتحديد التوقعات من حيث احتياجاتها من المدارس ومكوناتها وتجهيزاتها، تضم هذه الإحصائيات معلومات عن إعداد المواليد الجدد في المدينة والهجرات والتنقلات من وإلى المدينة لتحديد أعداد المدارس المطلوب بنائها وسعتها وعدد الفصول والتجهيزات المدرسية اللازمة وتحديد عدد المدرسين وتخصصاتهم والمراحل الدراسية التي يجب توفيرها في المدارس حسب توزيعها ومواقعها في الأحياء .. إلخ.
وتهدف دراسات الجدوى إلى الحصر الأولى لمساحات المدارس وتحديد التكلفة الأولية، وإذا كان موقع البناء محدد سلفاً فهي تقوم بإجراء تحليلات أولية لخصائص الموقع ومدى صلاحيته للإستعمال المدرسي من حيث امكانياته المساحية وسهولة الوصول إليه. أما إذا كان الموقع غير محدد فهي تقوم بتحليل عدد من المواقع المحتملة آخذة في الإعتبار تأثير ذلك على تكلفة البناء، وفي كلتا الحالتين يجب التأكد من وجود حل تصميمي واحد مقبول على الأقل يمكن أن يستوعبه الموقع.
إعداد البرنامج الوظيفي والمساحي :
تعد هذه المرحلة من أهم مراحل تصميم وإنشاء المدارس اليوم، وتشمل :
ـ تحديد البرنامج الوظيفي والمساحي.
ـ تحديد إجمالي التكلفة التقديرية للمشروع .
ـ تحديد واختيار الوسائل والطرق التي سينفذ بها المشروع.
ويتم إعدادها من قبل مبرمجين متخصصين في إعداد البرامج الوظيفية والمساحية للمدارس، هؤلاء المبرمجين يكون لديهم الخبرة الكافية لتقدير المتطلبات المعمارية والتقنية ومتطلبات الجهة صاحبة المشروع وأسلوبها في العمل في بناء المدارس.
في البداية يقوم المبرمج بالتواصل مع الجهة صاحبة المشروع وتحديد نطاق عمله من حيث : جمع مجمل المعطيات والمعلومات والإتصال بجميع الأطراف الداخلة في هذا العمل. و اقتراح حلول مختلفة وتحقيق دراسة معمقة والحصول على نتائج أساسية يمكن بعد اعتمادها عدم الرجوع فيها.
ومن أول مهام المبرمج هو مساعدة صاحب المشروع على تحديد متطلباته وتحديد أهدافه والإمكانيات اللازمة لتحقيقها وتنقسم المتطلبات إلى قسمين :
المتطلبات ذات الطبيعة النوعية : مثل متطلبات البرنامج التعليمي الذي سيطبقه المشروع والتنظيم الفراغي للمشروع و التصميم أو الصورة المطلوب أن يظهر المبنى عليها والمميزات البيئية للمشروع.
المتطلبات ذات الطبيعة العددية : مثل تحديد هيكل الوظائف التعليمية والوظائف الملحقة بها مثل تأمين الطعام والترفيه والأنشطة الرياضية وعدد ومساحة فراغاتها وتكلفتها التقديرية ومدة تنفيذ المشروع.
يهتم المبرمج كذلك بالتواصل مع المستعملين للمشروع التعليمي بدءاً من الجهة صاحبة المشروع حتى المستعملين والمرتادين له والتعرف من خلالهم على متطلبات المشروع وتجاربهم السابقة ، كما يقوم بمقابلة الإدارت المحلية التي يقع في دائرتها المشروع.
يقوم المبرمج بعد ذلك بتحديد البرنامج حسب معطيات المشروع مثل إن كان المشروع يقع داخل المدينة أو في المناطق القروية وما إذا كان المشروع مشروع بناء حديث أومشروع تأهيل أو توسعة مباني قائمة، كما يحدد ما إذا كان المشروع حكومي أو خاص.
كما أن للمشروع التعليمي أهداف يجب تحقيقها ويقوم المبرمج بتحديدها .
ويمكن تقسيم هذه الأهداف إلى :
ـ أهداف تعليمية وتربوية : وتهتم بما سيحتويه المبنى من وظائف تعليمية ، والمراحل التعليمية التي سيخدمها وطبيعة الوظائف المختلفة للمبنى والخصائص الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المحلية في المناطق التي سيقام فيها المبنى.
ـ أهداف تخطيطية عمرانية : وتهتم بطريقة إدماج المبنى التعليمي في البيئة سواء كان في المدينة أو في ضواحي المدينة أو في القرية. كما تهتم بسهولة الوصول إلى المدرسة والتعرف على وسائل الانتقال التي ستستخدم تبعاً لذلك (حافلات مدرسية، سيارات خاصة، مشاة).
أهداف بيئية: وتهتم بإحترام البيئة الطبيعية والإقتصاد في الطاقة والموارد وتحقيق الراحة والعزل الصوتي والحراري والبصري و تجنب الروائح الغير مرغوبة والإهتمام بالجوانب الصحية .
ـ أهداف وظيفية : وتهتم بتنظيم العمل وتحديد العلاقات بين عناصر المشروع وتحقيق المتطلبات المساحية والاهتمام بتحقيق مبدأ المشاركة في المباني عند تصميم الخدمات الملحقة بالمشروع بحيث يمكن استعمالها ليس فقط لمدرسة واحدة بل يمكن استعمالها من مدارس مجاورة أو من سكان الحي مثلاً، والاهتمام بالربط الجديد بين المدرسة
و هذه الخدمات مثل المقصف أو الملاعب الرياضية.
أهداف إقتصادية : وتهتم بالمحافظة على إجمالي الميزانية الموضوعة بدون زيادة، والتحكم في الصرف والتأكد من مقدرة الجهة صاحبة المشروع على الوفاء بالمبالغ المقترضة من الجهات المانحة لقروض بناء المدارس.
المعايير الحكومية لبناء المدارس :
وعادة ما تحدد الجهات الحكومية المعايير والأنظمة الخاصة بالبناء لكافة المباني، وتعتبر أنظمة ومعايير بناء المدارس جزء منها كأي مبنى آخر . وقد تحتوي على أنظمة و معايير خاصة بالمدارس فقط. مثل الأنظمة والمعايير الخاصة ببناء المباني التعليمية وإعادة تأهيلها أو توسعتها.
ومن أهم المحاور التي تتناولها هذه الأنظمة والمعايير :
ـ درء المخاطر الصناعية والطبيعية مثل الزلالزل واختبارات التربة التي سوف يتم البناء عليها ومواصفات الهياكل الإنشائية وحماية المستعملين من الحوادث الصناعية .
ـ أنظمة تأمين الراحة لمستخدمي المباني مثل الإضاءة الطبيعية والإنارة الصناعية وحماية المباني من الضوضاء.
ـ التوفير في استهلاك الطاقة والصيانة والتشغيل ومراقبة تلوث الهواء وانبعاثات الغازات المختلفة ومعالجة تربة الأراضي الملوثة.
ـ اختيار موادالبناء حيث يجب أن تكون هذه المواد ذات نوعية جيدة واخضاعها للاختبارات المختلفة الإنشائية والصحية.
ـ قواعد وأنظمة الأمن والسلامة وتدخل فيها قواعد تخطيط المدن وضرورة اتباع المخططات العمرانية المعتمدة من قبل الحكومات وأنظمة البناء من إرتفاعات وارتدادات ، وكذلك تأمين المباني ضد الحريق وأجهزة الإنذار.
ـ القواعد الصحية والخاصة بإتباع العادات الصحية السليمة ومراقبة التغذية ومحاربة السمنة مثلاً ومنع الألعاب الخطرة على حياة الطلبة .
ـ تطبيق المعايير الخاصة بالمعاقين في المباني وتشمل المبنى التعليمي وما يحتويه والمنطقة المحيطة به وما تحتويه.
ـ معايير تصميم وإنشاء مواقف السيارات.
ـ معايير اللوحات الإرشادية التي يجب أن تكون واضحة وشاملة.
تصميم وإنشاء المدارس على المستوى الوطني :
تبني الدول المدارس لتأمين التعليم لمواطنيها في المدن والقرى على حد سواء، وعلى صعيد الدولة الواحدة يمكن أن تختلف أساليب تصميم إنشاء المدارس من حيث احتياجات التعليم وعدد ونوع المباني التعليمية من حيث تعداد السكان ومن حيث طبيعة النسيج العمراني في المدن أو القرى ومن حيث العادات الاجتماعية، فمثلاً في بعض الدول يتم بناء مجمعات مدرسية تضم عدداً من المستويات الدراسية (حضانة وابتدائية وإعدادية وثانوية) في وسط مجموعة من القرى لتسهيل عملية إنتقال الطلبة فيمكن لعائلة لديها 3 أطفال مثلا بأعمار مختلفة غير متقاربة أن تتولى نقل أطفالها جملة واحدة إلى هذا المجمع، وكذلك الحال لتحسين نقل المدرسين.
في القرى تقع عادة مسئولية تأمين التعليم على الدولة، أما في المدن فإنه يمكن أن يتولى القطاع الخاص فتح مدارس خاصة ، وبالتالي فإن المشاريع المدرسية في المدن متعددة التصاميم .
المشروع التخطيطي والمعماري
للمباني المدرسية
يتم تنفيذ المشروع التخطيطي والتصميمي على مراحل، أولى مراحل هذا المشروع وأهمها هو تحديد موقع المدرسة سواء في المدينة أو في القرية، و مدى تأثير النقل على هذا الاختيار ، فكلما كانت المدرسة قريبة قل الاعتماد على النقل، ولذلك تأخذ كافة الاحتياطات المؤدية إلى ذلك. مثل التأكد من سلامة الطرق وسهولة الحركة المرورية فيها. وكذلك الاهتمام بتأمين مواقف سيارات سواء للحافلات أو سيارت أولياء الأمور أو المدرسين . على أن هذه الخطوة لاتتم حسب حالة كل مدرسة ولكنها تتم على مستوى المخططات العمرانية، فالمباني التعليمية هي جزء من المكونات العمرانية التي تؤثر على التخطيط العام للمدن والقرى.
من الناحية المعمارية فإن التحليل الدقيق للمشاكل التي يطرحها التصميم المعماري للمدارس يتم من خلال خمس اعتبارات : العلاقة بين العمارة المدرسية وأسلوب التعليم، والعلاقة بين المشروع المعماري والمشروع التربوي، تصميم مباني تعليمية تدفع إلى تطوير طرق الإنشاء من جهة و تطوير التقنيات التربوية من جهة أخرى ، إيجاد علاقة بين الفراغات المدرسية والسكان الذين يسكنون في محيط المدرسة، مراعاة الإعتبارات الاقتصادية والتقنية والفراغية. حيث يلعب المبنى الدراسي دوراً ــ معترف به اليوم ــ في تحسين التعليم، فالمباني التعليمية يجب أن تخدم طرق ووسائل التعليم سواء كانت في فصول أو في مجموعات وتوفير المساحات الكافية لعدد الطلاب والمدرسين واستقبال المعاقين. كما أن المبنى التعليمي يجب أن يخدم السكان والمسئولين على المبنى التعليمي وأولياء الأمور و إستعمال بعض مرافقه في غير أوقات الدراسة من قبلهم .
تركز البرامج التعليمية الحديثة على الطالب وتعمل على دفعه إلى التعلم بنفسه والتفاعل والتواصل مع الآخرين، والجمع بين العلوم بدلاً من فصلها عن بعضها، مما يدفع إلى تكوين فكر ناقد لديه وتطوير مهاراته لحل المشاكل التي تواجهه، ولقد أصبحت الكثير من الدول تعتمد في هذا الصدد على الوسائل الإلكترونية الحديثة وعلى التعليم داخل المعامل الأمر الذي أثر على المباني المدرسية ودفع إلى إعادة النظر في تصميمها وطرق إنشائها . فمباني المدارس اليوم يجب أن تكون مرنة وملائمة وتسمح بتطبيق البرامج التعليمية وتطوراتها، كما يجب أن تكون المباني مستدامة وتحافظ على البيئة، و أن تكون عنصراً إيجابياً في النسيج العمراني للأحياء التي تبنى فيها بحيث تخدم ليس فقط العملية التعليمية للطلاب بل تشمل سكان الأحياء التي تقع فيها.
مباني المدارس يجب أن تصمم وتبنى بمشاركة من الذين سيستخدمونها ، وبالرغم من عدم وجود أمثلة كثيرة لهذا التوجه إلا أن بعض المصممين يهتمون بالتواصل مع المدرسين و الطلبة لتطويع المباني التعليمية للإستعمالات المثلى وأساليب التلقي. في بعض الدول الفقيرة يتم إشراك الأهالي في بناء المدارس.
بالرغم من الإتفاق على أهداف التعليم في العالم إلا أن لكل منطقة أو بلد في العالم طريقته الخاصة في الأسلوب التعليمي ، فالبعض يرى ضرورة تعميم الوسائل الإلكترونية الحديثة والانترنت على الطلبة واستخدام المعامل في التعليم (مثل انجلترا) وقد يرى البعض الآخر أن الأسلوب التعليمي يجب أن يكون غير مقيد بطريقة أو بأخرى ، فالمهم هو أن يكون الطالب قادر على أن يتعلم بمفرده أو داخل فريق طلابي (مثل الدنمارك)، دول أخرى تنظر للعملية التعليمية على أنها عملية ارتقاء اجتماعي فترتكز العملية على مشاركة الطلبة وأولياء الأمور فيها (مثل كولومبيا في أمريكا الجنوبية) ، ولذلك تقوم الدول بوضع أنظمة وقوانين تصميمية لتطبيق معايير تصميمية لمباني المدارس.
على أن أهم هذه المعايير التصميمية هي :
مرونة الفضاءات التعليمية :
ضرورة مرونة الفضاءات التعليمية هي من أهم المعايير التصميمية ، فالأنشطة التعليمية تتطلب تطويع الفضاءات المعمارية لكي تتلائم مع كافة الأنشطة ولكي تأخذ في اعتبارها إعادة تأهيل أو تغيير التوزيع الداخلي للمباني والتوسعات المستقبلية التي تحتاجها المباني التعليمية مع مرور الزمن.
في البرتغال تركز مرونة الفضاءت التعليمية على تخصيص بهو رئيس متعدد الأغراض يتداخل مع فراغ المكتبة بحيث يصبح الفراغ الرئيس للتواصل الاجتماعي وممارسة أنشطة متعددة. في الدنمارك يتم إلغاء غرف الفصول التقليدية لتحل محلها فراغات مرنة للتعليم تشجع الطلبة والمدرسين على التعليم في مجموعات وبحيث تؤدي الأنشطة التعليمية في فراغات ذات خصائص متنوعة، هذه الفراغات تكون مرتبطة ببعضها البعض، ولذلك يتم الأخذ في الإعتبار العزل الصوتي بينها لتحقيق الخصوصية الصوتية لكل مجموعة تعليمية وتوفير الهدوء لها، كما يمكن توفير حوائط متحركة لتحقيق هذه المرونة وعزل الصوت في آن واحد كما هو الحال في مدارس لوس أنجلوس الأمريكية. و يمكن الإطلاع هنا على مشروع مدرسة Langley Academy في إنجلترا وهي من تصميم مكتب Foster +Partners .
تطبيق معايير المحافظة على البيئة :
وفي هذا المجال يجب أن تكون عملية المحافظة على البيئة شاملة لكافة معايير الاستدامة وأن تجمع بين كافة المعايير ليس فقط خفض انبعاثات الكربون (تحقيق مستوى صفر كربون) بل تطبيق كافة المعايير الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وكيف يمكن أن تسهم هذه المعايير في إثراء التعليم، ففي بعض المدارس اليوم يمكن للطلبة الإطلاع على آلات انتاج الطاقة أو التوفير في الماء بعمل فتحات زجاجية كبيرة يمكن الإطلالة منها على غرف الآلات ، كما يتم وضع لوحات الكترونية تسجل استهلاك الطاقة والماء ومعدل التوفير فيها على مدار اليوم الدراسي ، وتمثل هذه التوجهات جزءً من العملية التعليمية.
في انجلترا يجب أن تخفض مباني المدارس الجديدة معدل انبعاثات الكربون بمقدار 60 ٪ مما هو عليه في المدارس السابقة وبحيث تخفض بدء من عام 2016 إلى الصفر.
في البرتغال وفي إطار المحافظة على البيئة تقرر أن يتم التركيز على إعادة تأهيل المباني المدرسية القائمة بدلاً من بناء مدارس جديدة للتقليل من الانبعاثات والتوفير في الطاقة والمساهمة الإيجابية بشكل عام في المحافظة على البيئة. كما يحافظ على عدم تمدد المدن بحيث لاتكون المدارس الجديدة بعيدة، وكذلك الحال في الدنمارك حيث لايساهم هذا التوجه فقط في المحافظة على البيئة بل كذلك في توفير تعليم مستمر للطلبة على مدى المراحل الدراسية المختلفة من خلال إضافة مباني جديدة إلى المدارس القائمة أو لإستيعاب الزيادة في أعداد الطلبة. أنظر إلى المدارس التي نستعرضها في هذا العدد. مدرسة Wilson Secondary School في أمريكا، ومدرسة Gammel Hellerup High School في الدنمارك والمدرستين من تصميم مكتب BIG ، ومدرسة borg + nms deutsch-wagram في النمسا من تصميم مكتب Franz zt gmbh .
في استراليا تهدف المباني التعليمية إلى التوفير في استهلاك الطاقة والتقليل من تأثير النفايات الناتجة عنها على الموقع . وفي لوس انجلوس (ولاية كاليفورنيا الأمريكية) زودت المدارس بوسائل تحكم وشاشات لتقييم الاستهلاك الفعلي للطاقة وطرق المستخدمين للمبنى لها وتدخل معايير المحافظة على البيئة في عملية التصميم المعماري من حيث مراعاة توجيه المباني وكفاءة الطاقة وتوفير الماء وإدارة النفايات وكفاءة المواد والآلات المستخدمة في الإنشاء والتعليم والخدمات والتشغيل والصيانة في التوفير في الطاقة . أنظر إلى مدرسة Kathleen Grimm في نيويور ك من تصميم SOM . ومدرسة French International School في الصين من تصميم مكتب Jacques Ferrier اللتين نستعرضهما في هذا العدد.
المشاركة في تصميم وإنشاء المباني :
هناك القليل من التصاميم المعمارية التي يشارك فيها الطلبة والمدرسين التي تطبق هذه المعايير إلا أن الأبحاث أثبتت أن إشراك الصغار في هذه التصاميم يجعل المدرسين ينظرون إليهم بطريقة مختلفة، فهي ترفع من مستوى ثقة الصغار في أنفسهم ومن النظرة إلى قدراتهم.
إشراك المستعملين للمباني التعليمية في تصميمها أو بنائها لم يعد شيئاً مستغرباً في عدد من الدول حيث أن تصميم المباني حسب رغبة مستعمليها يرفع من كفاءة فراغاتها لتحقيق المتطلبات التعليمية ، وتجعلها تدوم أكثر بدون إجراء تعديلات عليها. كما أنه من الضروري اليوم أن ينظر لنجاح العمل المعماري وتحقيق الإبتكارات المنشودة في المباني على أنه نتاج فريق متعدد التخصصات بما في ذلك المستفيدين من خدمات المبنى.
تفاعل المشروع المدرسي مع السكان :
تشكل الأحياء والمواقع التي تبنى فيها المدارس مصادر إلهام لتصميم هذه المدارس وإنتفاع سكان الأحياء بما يمكن أن تقدمه مباني هذه المدارس من خدمات لسكان الأحياء ورفع المستوى المعرفي لهم.
في ولاية كاليفورنيا الأمريكية تبنى المدارس داخل الأحياءبحيث تصبح مركزاًَ لها. ففي بعض مشاريع المدارس الجديدة يتم إضافة مباني اسكانية ومراكز اجتماعية في نفس الموقع الذي سوف تقام فيه المدارس لتشكل مع المبنى المدرسي كتلة بنائية واحدة لتحقيق التنوع البنائي للأحياء. وفي كولومبيا في أمريكا الجنوبية تركز مبانيها التعليمية على توثيق العلاقة مع سكان الحي بتخصيص فراغات داخلها لممارسة السكان لأنشطة متعددة خارج أوقات الدراسة ، كما يتم اختيار مواقع بناء المدارس لكي تمثل معالم معمارية تجدد من الانطباع البصري والاجتماعي للأحياء.
في البرتغال تستخدم الفصول والخدمات الرياضية والثقافية والترفيهية الملحقة بالمدارس من قبل سكان الأحياء في غير أوقات الدراسة، وقد تهدف المدارس الجديدة إلى تأمين فرص عمل لسكان الأحياء مساهمة بذلك في تطوير مستوى معيشة الأحياء. أنظر مدرسة
Gerardo Molina في كولومبيا من تصميم Giancarlo Mazzanti، ومدرسة Evelyn Grace Academy في لندن من تصميم زها حديد التي نستعرضها في هذا العدد.
تعتبر المعايير التي ذكرناها من أهم الاعتبارات التصميمية لبناء المدارس على أن هناك عدد من المعايير الأخرى الأقل أهمية مثل طرق التعليم خارج الفصول المدرسية أو في الهواء الطلق ، وكذلك المعايير الخاصة بالمباني التعليمية ذات البرامج الخاصة ومعايير التصميم والفرش الداخلي للمدارس .
د.نجدة فضل المولي says
حقيقة موضوع التعليم وتطوير مبانية عملية في غاية الاهمية جزاكم الله الف خير
كيف يمكننا الاتصال بكم والاستفادة من الخرط المعمارية لديكم
المعاني says
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو سمحت أريد تصميم مبنى مدرسي. الابتدائية ورياض الاطفال وشكرا