الدكتور مازن المقبل ، المهندسة مرام صدّيق
البدايات وأثر النهضة الصناعية :
ارتبط نمو المطاعم منذ ظهورها بنمو المدن والحاجة للسفر سواء لأغراض تجارية أو دينية من القرى إلى المدن الكبرى وعواصم الحضارات القديمة لتغطية حاجة المسافرين والحجيج والجنود للطعام، ولم تكن هذه المطاعم في بداياتها مرتبطة بالرفاهية أو الراحة بقدر ما كانت لتحقيق دور وظيفي بحت وتقدم مأكولات ريفية أساسية. وكانت في غالبها جزء من نزل المسافرين وأماكن الاستجمام العامة. لكن الأمور تطورت لاحقاً أبان الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر حيث بدأ طباخوا الطبقة الأرستقراطية في فتح أماكن فاخرة لخدمة العامة باستخدام وصفاتهم التي اعتادوا تقديمها في البلاط الملكي والقصور الخاصة. لذا ينسب ظهور المطاعم الحديثة بشكلها المعروف حالياً لفرنسا، حتى أن كلمة مطعم بالفرنسية والانجليزية رستورانت (restaurant) يعني المرق الكثيف الغني باللغة الفرنسية. ومما ساهم في هذا التسارع أيضاً في نمو المطاعم آنذاك حصول الحضارة الغربية على مصادر لمأكولات استوائية وفواكه وخضروات وبهارات جديدة من المستعمرات وعلى رأسها الأميركتين وآسيا مما مكن الطهاة من التفنن في موائدهم للتميز وجذب الزوار. ثم بدأت السياحة التي أصبحت آنذاك ظاهرة جديدة في أوروبا بدعم هذا النمو أيضاً مما عجل بنمو عدد المطاعم في فرنسا لوحدها من عدة عشرات لعدة آلاف في حوالي عشرين سنة. وكانت النتيجة بدء ظهور المطاعم الفاخرة (فاين دايننغ) والمقاهي الراقية ككيانات مستقلة في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر في أوروبا بصفة عامة وباريس بصفة خاصة.
اليوم وكنتيجة متوقعة للتطور الصناعي والحضاري وزيادة السكان واختلاطهم ولسهولة وتزايد الاقبال على السفر بغرض السياحة، فقد تعددت أنواع المطاعم وطرق التقديم وانتشرت المطاعم في كل مدن العالم حتى صارت جزء لا يتجزأ من طبيعة كل مدينة رئيسية، وانعكس ذلك على الحركة التجارية والسياحية والعقارية في معظم مدن العالم الكبرى والمتوسطة، وتنوعت بالتالي أنواع المطاعم ومستوياتها منها مطاعم سريعة ومطاعم عائلية ذات خدمة على الطاولة ومطاعم بوفيهات مفتوحة ومطاعم فاخرة وراقية ومطاعم متنقلة. كما تنوعت أنواع الأطعمة التي يتخصص بها كل مطعم فمنها الأطعمة الأوروبية وعلى رأسها الفاخرة والبسترو الفرنسية والبيتزا الإيطالية، ومنها أيضاً مطاعم البرغر والبيتزا السريعة التي برزت بقوة في الولايات المتحدة الامريكية ، ومن ثم انتقلت إلى معظم دول العالم، ومنها كذلك المطاعم التي تقدم في كل دولة أطعمتها المحلية والشعبية ثم انتشرت خارج حدود دولها لتغزوا كل المدن الرئيسة العالمية لندن ونيويورك وباريس ومن أبرزها المطاعم الصينية واليابانية والهندية والعربية واللاتينية، حتى أصبحت الدول تعرف من أطعمتها وأصبح الطعام المحلي لكل دولة أو منطقة معلم حضاري في حد ذاته، واندفعت شعوب دول العالم لإظهار طعامها المحلي والشعبي عالمياً وتسوقها لنشر ثقافتها الغذائية عالمياً.
مع هذا التوسع الكبير ومع تبلور هذا المجال كإستثمار تجاري خدمي مهم، أصبحت إدارة كل مطعم ناجح تسعى لتحديد ثلاث عوامل رئيسة قد لا يكون لها علاقة مباشرة بوصفاته من الطعام ألا وهي: موقع جغرافي قوي ومناسب وهوية بصرية مميزة وتصميم داخلي أو معماري يعكس مستواه ونوعه. الهدف من ذلك ضمان الحفاظ على موقعه في ذاكرة مرتاديه والمستدلين عليه من الزوار، وكذلك استخدام هذه العوامل الثلاثة في الاستمرارية والنمو وإمكانية التوسع بفروع مشابهة يتعرف عليها الناس بمجرد النظر لها وربطها بالمطعم الأول الذي حقق شهرة أو نجاح في موقع معين أو مدينة ما.
المطاعم السريعة :
من هذا المنطلق سعت الكثير من المطاعم السريعة في الولايات المتحدة الامريكية منذ منتصف القرن العشرين لتطوير هوية بصرية حادة بألوان وشعارات جاذبة للصغار والمراهقين وتصاميم معمارية وداخلية تساعد على سرعة الحركة والطلب والأكل، لمواكبة الإقبال والزحام اليومي والحصول على أكبر عائد ربحي من حركة الزبائن مقابل أسعار زهيدة. خير مثال على ذلك سلسلة ماكدونالدز التي تظهر باللون الأحمر والأصفر، وظلت لعقود طويلة تستخدم كراسي بلاستيكية صغيرة حتى لا تحفز الزبائن على الجلوس لفترات طويلة مع إضافة إمكانية الطلب بالسيارة حتى تستفيد من الموقع الجغرافي والمساحة بأكبر قدر ممكن بالاستغناء عن ضرورة دخول الزبائن للمطعم والأكل في داخله، ويضاف لذلك إضافة قسم لألعاب الأطفال لتحبيب الأطفال في المطعم وتعويدهم عليه. كل ذلك بالطبع يتم بعد دراسات متعمقة مع استمرار التطور والتغيير وذلك لتلبية توقعات ورغبات الزبائن المتغيرة مع مرور الوقت، وللحفاظ على موقع الطليعة بين المنافسين.
المطاعم العائلية :
المطاعم ذات الخدمة الكاملة على الطاولة، سواء كانت عائلية أو فاخرة، تسعى للحصول على مواقع سهلة الوصول إليها لتيسر لمرتاديها الحضور في أوقات الزحام، حيث أن الإقبال عليها في معظمه يكون في فترات العطلة الأسبوعية والأجازات، وتركز المطاعم العائلية الكبرى على وجود مبنى مستقل يمكن تمييزه بالشكل الخارجي، والتي تأخذ طابعا إما ريفياً أو حديثاً جداً، وتكون الكراسي والجلسات واسعة ومريحة من الأقمشة ذات الجودة العالية أو الجلد حيث يتمكن الزوار من الاستمتاع بالجلوس لساعات طويلة، وقد يكون هناك جلسات خارجية يكثر الإقبال عليها في الأجواء الجيدة ويتوفر عادة مواقف سيارات فسيحة لإستيعاب الإقبال من العائلات عليها. أما المطاعم الفاخرة فتتمركز في مواقع بالقرب من الأسواق التجارية الفاخرة أو في مناطق هادئة وراقية ذات مناظر طبيعية أو قيمة تاريخية، وتعكس تصاميمها أحيانا هوية البلدان أو المناطق التي تقدم أطعمتها، فيجد الزائر نفسه في المطاعم التي تقدم الباستا والبيتزا مثلاً محاطاً بتصاميم توحي بروما أو فلورنس أو التصاميم الرومانية، أو يجد نفسه في مطعم يقدم مأكولات فرنسية محاطاً بالديكورات الفرنسية الكلاسيكية من عصر لويس الرابع عشر.
الخطوط الحديثة في تصميم المطاعم :
منذ الثمانينات بدأت كثير من المطاعم ذات الخدمة الكاملة على الطاولة بنوعيها العائلية أو الفاخرة في اضافة هوية أكثر حداثة مبتعدة عن الكلاسيكية، وكانت مدينة لندن صاحبة السبق في ذلك متجلية بأعمال مصممين مثل المصمم الإيطالي الأصل المقيم في بريطانيا اينزو ابيشيلا (Enzo Apicella) الذي صمم سبعين فرعاً حديثاً لسلسلة مطعم “بيتزا اكسبرس” العائلية البريطانية مبتعداً عن تصاميم المطاعم الإيطالية التقليدية. وتبعه الكثير من الشركات الكبرى في لندن مثل مجموعة لو كابريس (Le caprice)، ثم تبعها الكثير في مدن العالم الكبرى مثل نيويورك وسدني، حيث سعى المصممون ومشغلوا المطاعم الفاخرة في العقد الأخير إلى الظهور بتصاميم عالية التكلفة وإستثنائية بعيداً عن التقليدية، وصارت بعضها مثلاً صناعية المظهر (industrial) وبعضها مستقبلية المظهر (futuristic and minimalist) وأصبحت تتواكب مع مدارس التصميم الحديثة والتطوير الذي يجري عليها.
المطاعم في السعودية والخليج :
في السعودية ودول الخليج بصفة عامة تغيرت نظرة المجتمع كثيراً للمطاعم خلال الأربع عقود الماضية، وزاد الإقبال في الستينات والسبعينات على المطاعم البسيطة في المدن الرئيسة لمواجهة النمو السكاني وإقبال الوافدين في البداية، بالإضافة لوجود بعض المطاعم الفاخرة الكلاسيكية في الفنادق، ثم ظهرت سلاسل المأكولات السريعة المشهورة عالمياً بنهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بمبانيها المستقلة وشعاراتها الجذابة. تبعها دخول سلاسل المطاعم العائلية العالمية في نهاية التسعينيات. كما واكب هذه الفترة ظهور المطاعم الفاخرة المبتكرة محلياً لتقدم أطعمة من دول أخرى، وتميزت بها شوارع أو أحياء معينة في المدن الكبرى تعكس رقي الحي أو حداثته. أما في العقد الأخير بالذات فقد تضاعفت جميع أنواع المطاعم بشكل كبير مع زيادة مراكز التسوق والشوارع التجارية والنمو السكاني والسياحي، كل ذلك جعل هناك حاجة ملحة إلى أن توضع معايير متقدمة من قبل معظم بلديات المدن الكبرى لهذه المطاعم من حيث المباني والتصميم لضمان السلامة والراحة لمرتاديها.
وكنتيجة لكل ذلك، تقدمت التصاميم المعمارية والداخلية لهذه المطاعم كثيراً في المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتنافس بذلك الآن المدن العالمية الكبرى، ويتسابق الكثير من المشغلين اليوم لتطبيق معايير عالية في الإبداع في تصميم مطاعمهم لضمان تقبل الضيوف لمشاريعهم مع زيادة المنافسة. كما زاد الإهتمام لديهم بإعتماد مقاييس متعارف عليها عالمياً لأحجام الكراسي وسعة الممرات، والاهتمام بسهولة حركة ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، ووضوح المداخل وسعتها ووجود منطقة استقبال فعالة وتوفير دورات مياه لائقة، والتقسيم المتلائم لمناطق الخدمة وتوزيع الصالات بهدف زيادة فعالية الموظفين، وتهوية وتكييف الصالات والمطابخ بأفضل الطرق لتجنب الروائح والحرارة العالية، وتوفير المطابخ المتطورة المجهزة بمعدات حديثة مع إظهار جزء رئيس منها أمام زوار المطعم من خلال حاجز زجاجي أو كاونتر خدمة كنوع من عرض الطبخ بطريقة جذابة للزوار وكذلك للحصول على ثقتهم وطمأنتهم على نظافة العاملين والمكان وإظهار الحرص على الحفاظ على معايير عالية من جودة وسلامة الغذاء المقدم.
إضافة تعليق جديد