أجرى المقابلة : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
البناء : ماهو الفرق بين منهج المكاتب العالمية مثل زها حديد ومفهوم العمارة العالمية الذي ساد في الستينيات والسبعينيات ؟ومع وجود اختلافات في البيئة الاجتماعية بين الغرب والمملكة كيف تكيفون فلسفة التصميم لديكم مع بيئتنا الاجتماعية وإلى أي حد يتم أخذ الهوية المحلية في الإعتبار؟
باتريك شوماخر : نحن حريصون على أن نأخذ في الإعتبار الثقافات المحلية والمناخ المحلي، وهذا واضح في مبنى مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (KAPSARC) . ليس فقط بالنسبة للثقافة والمناخ المحلي بل أيضاً بالنسبة للرموز المحلية، مثل فكرة وجود الأفنية الداخلية في مشروع (KAPSARC) . بالإضافة إلى فهمنا لمبدأ الخصوصية مثل الجامعات المخصصة للنساء واستخدام الحوائط والأسوار لتحقيق الخصوصية ووجود فضاء داخلي منعزل عن الفضاء الخارجي . كل هذا يدل على قدرتنا على فهم هذه العوامل والتعامل معها.
من خلال زيارتي هذه لاحظت وجود مباني جميلة في الرياض ، كما لمست أنه لايوجد فرق عن أي مكان آخر في العالم من حيث التفاعل والحوار والنقد المهني وذلك عندما ألتقيت بطلبة الكليات المعمارية . فالمهنة المعمارية اليوم أصبحت ذات ثقافة كونية ، وينطبق ذلك على هذا المركز ذو الصبغة العالمية الذي يضم العديد من الباحثين العالميين والذي صمم ليكون مكان للعمل، و أماكن العمل في كافة أنحاء العالم أصبحت تؤدي وظائف متشابهة . نحن في زها حديد متفهمين لبيئة الشرق الأوسط و نعمل هنا كما نعمل في أنحاء مختلفة من العالم وعلى سبيل المثال نقوم في المغرب بتصميم مبنى الأوبرا في الرباط، وهناك مشاريع لنا في دبي والعراق. وفيما يخص المناخ المحلي ، فنحن تعاطينا مع المناخ الحار في مبنى (KAPSARC) وقدمنا تصميم مختلف عن المباني ذات الواجهات الزجاجية من خلال استخدام واجهات مصمتة واستخدام وسائل التظليل. و في العراق قمنا بتصميم برج تتميز عمارته بإستخدام التظليل، وهو أحد الأمثلة على كيفية تعاملنا مع المناخ المحلي حيث أنه من المهم التكيف وتطويع المشاريع مع الثقافة المحلية وكنا دائماً نكسب رضا عملائنا على ذلك.
البناء : ماهو المنهج الذي إتبعتموه في تصميم مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (KAPSARC) ؟ وهل كان هذا المشروع أول مبنى تصمموه في المملكة ؟
باتريك شوماخر : في الواقع قمنا بتصميم مبنى في جدة قبل ذلك وكان مركز ثقافي، ولكن فيما يخص مبنى (KAPSARC) ، أردنا أن نحقق فيه بيئة مجمع مباني بمعنى أن يظهر تصميم مكونات المشروع مترابط ولكن في نفس الوقت متنوع، وعملنا على أن يكون المبنى ممتد أفقياً بدلاً من تصميم برج أو بناء مرتفع ، وتم دمج فكرة وجود الفناء الداخلي كمفرد محلي . هندسياً تم استخدام الشكل السداسي لتشكيل مكونات المشروع على هيئة خلايا و لأن هذا الشكل يوفر حرية أكثر وتوجيهات أكثر ، حيث ترتبط كل خلية بستة خلايا مجاورة لها بدلاً من أربع لتحقيق أقصى ترابط بينهما. ما يميز هذه الخلايا هي أنها غير متساوية في الحجم، فبعضها ضيق والبعض الآخر متسع وبعضها أطول من الآخر وهذا الإختلاف في الحجم يحقق التنوع. تكون الخلايا في ترابطها نسيج عام يربط مكونات المشروع بين بعضها البعض من خلال إستخدام مظلات من القماش كغطاء للساحات والأماكن العامة بشكل سداسي يحقق كذلك الاستمرارية للشكل الهندسي السداسي لخلايا المبنى، و لتوحيد المشروع هندسياً فيما بين مكوناته من مباني وفضاءات خارجية. وبشكل عام فإن الفكرة هي إيجاد شعور بأن المبنى عبارة عن مجمع كما تهدف الفكرة إلى تحقيق مجال فضائي متنوع التشكيل بدلاً من أن يكون مجالاً متكرر التشكيل .
البناء : هذا كان مفهوم التصميم في وقت المسابقة، ولكن هل تغير هذا المفهوم بعد فوزكم بالمسابقة؟
باتريك شوماخر : فكرة المشروع كانت قوية وبالتالي لم تتغير، بل استمر العمل على نفس مفهوم التصميم ، بالطبع كانت تصلنا ردود وتفاصيل عن التصميم وبعض التحفظات والمشاكل التقنية ولكن بقى المفهوم كما هو عليه .
الفكرة كانت أن يكون مركز البحوث المحور الرئيس للمشروع ويحيط به مركز المؤتمرات، المكتبة و المصلى، ويمكن الوصول إلى المركز الرئيس من أي من هذه المكونات، هذه الفكرة أيضاً لم تتغير. وبسبب كون المبنى مركز لأبحاث الطاقة كان لدينا دافع للأخذ في الحسبان بالإعتبارات البيئية ، وقد حصلنا على تصنيف (LEED) البلاتيني، وهذا بسبب تحقيقنا لفكرة الأفنية الداخلية وتحقيق ترابط قوي بين مكونات المشروع . تم توجيه الأفنية بإتجاه الشمال و تغطيتها بتظليلات كان لها أكثر من وظيفة، حيث أن هذه التظليلات لاتقوم فقط بتوفير الظل بل أيضاً تقوم بجذب الرياح إلى داخل الأفنية، خاصة وأنه تم بناء المشروع على أرض مرتفعة، وهذا يوفر حركة رياح أقوى تدخل إلى الأفنية . الأمر الذي يعمل على تلطيف الجو في هذه الأفنية في جميع أشهر الصيف ما عدا شهر أغسطس. هذا الحل تم الوصول إليه بناءاً على الدافع لدينا لأخذ الإعتبارات البيئية في الحسبان . كما أننا أيضاً استخدمنا هذه المظلات لتركيب ألواح الطاقة الشمسية عليها للتوفير في استهلاك الطاقة .
البناء: ما هي العقبات التي واجهتموها في أعمال الانشاء، وهل واجهتم صعوبات في الحصول على المواد اللازمة؟ وهل واجهتم عوائق من حيث خبرة او امكانيات المقاولين المحليين؟
باتريك شوماخر : للحصول على تصنيف LEED البلاتيني يمكن توفير المواد من أماكن تقع في محيط محدد حول موقع المشروع، ولذلك لم نكن محددين بالسوق المحلي، فعلى سبيل المثال، الأعمدة الخرسانية تم توريدها من أبو ظبي، أما نسيج المظلات فكان من السوق المحلي وكان من نوعية جيدة. الأعمال الحديدية كانت رائعة كذلك، بالنسبة للمقاولين المحليين لم نواجه عقبات كبرى في الإنشاء ولكن العوائق كانت طبيعية بسبب تعقيدات المشروع، إلا أنه بسبب توفر برامج كمبيوتر عالية القدرة استطعنا أن نحل كل الأمور الهندسية.
البناء: الآن والمشروع قد أكتمل، ماهو انطباعك عنه؟
باتريك شوماخر : أنا مذهول، وأعتقد أن المشروع نجح ونال إعجاب الآخرين، بالطبع كان من الجيد أن يتم تنظيم اسبوع التصميم السعودي فيه وكذلك اختيار هذا المبنى لتنظيم مثل هذه الفعاليات، كما إنني تحدثت أثناء زيارتي مع إحدى الشخصيات الهامة والتي أبدت عزمها على تنظيم فعاليات في هذا المبنى. صحيح أن المبنى يحتوي على مكاتب ولكن من الجيد وجود مركز للتظاهرات ونفس الشيء يمكن قوله عن المكتبة التي سيتم إفتتاحها للجمهور.
البناء: ما هو انطباعك عن العمارة في المملكة العربية السعودية؟ برأيك ما الذي نحتاجه وما هو مفقود؟
باتريك شوماخر : الأمر الأول هو تخطيط المدينة هنا لديكم يتم الاعتماد على السيارة في التنقل، وبالتالي يوجد إزدحام مروري ولكن بإنتهاء مشاريع النقل العام لديكم التي هي الآن تحت التنفيذ ستكون هناك نقلة نوعية في النقل في المدينة حيث سيكون النقل العام قريب للمساكن عما هو عليه الآن من خلال قرب محطات النقل العام (الحافلات والمترو) منها وسيتمكن السكان من المشي ولن توجد هناك فائدة كبيرة من استخدام السيارة في التنقل اليومي إلى المحطات وسوف سيكون لذلك تأثير حضري على المدينة عندما تكون المساكن قريبة من المحطات وعندما يستطيع السكان التنقل مشاة في ممرات مظللة تجعل حركة النقل حركة مؤنسنة وهذا سيشجع العاملين في مراكز المدن على استخدام النقل العام بدلاً من السيارة في رحلات العمل اليومية.وسيشكل ذلك قيمة مضافة إلى الحياة في المدن .
تتميز الثقافة المحلية لديكم وتختلف عن الثقافات الأخرى، فهناك الكثير من المباني وقد أحيط موقعها بالأسوار وهذا نمط محلي إلا أنه يجعل مساحات المشاريع كبيرة وتتباعد المسافات للوصول إلى جهة معينة مما لايشجع على المشي . ولذلك فإن مشاريع النقل العام ستساعد على حل هذه المشكلة خاصة بالنسبة لرحلات العمل اليومية. الأمر الذي سيرفع من مستوى معيشة السكان. في لندن نحن نعمل على شئ مماثل حيث أن لندن أصبحت تعاني من الإزدحام المروري وبالتالي نحن نعمل على تشجيع السكان على المشي . الامر الآخر الذي اريد التحدث عنه هو ان بعض المباني الموجودة تستخدم مواد صامطة مثل الحجر، وقد رأيت احد المباني الجميلة التي تستخدم مفردات معمارية تراثية تقليدية مثل أبراج التهوية وكذلك مباني جامعة الأميرة نورة.
ولكن بالطبع يحتاج تخطيط المدينة الى عمل مركز لوسط المدينة بابراج والواضح هنا وجود عدة مراكز، وبالتالي يجب الحذر من وجهة النظر التخطيطية إلى تفادي التفكك العمراني والعمل على إيجاد مركز مترابط بحيث يمكن الوصول إليه باستخدام النقل العام والمشي بين الأبراج للحصول على منطقة أعمال نوعا ما.
كذلك هناك الحاجة لتناغم معماري. وأنا دائماً انتقد وجود كتل من المباني التي لا ترتبط ببعضها وبالتالي تصنع حالة غوغاء عمراني تفتقر إلى التناغم. هذه ليست مشكلة محصورة هنا فقط بل يمكن ان تجدها في أماكن أخرى في العالم، حيث لا يوجد تناغم في المراكز العمرانية. تحدثنا عن الاسلوب العالمي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في ذلك الوقت كان هناك تناغم عالمي في نمط العمارة وكانت النتيجة في ذلك الوقت وجود تناغم في المراكز العمرانية. ولكن يختلف الامر الان في العمارة المعاصرة حيث يوجد عدة انماط للعمارة واعتقد ان هذه الحالة هيئة مؤقتة ويجب تجاوزها. الآن ان اعمل على تطوير مفهوم الباراميتريسيزم وهو نمط معاصر ويمكن القول انه مفهوم اساسي حيث يمكن من خلاله تطويع العمارة وتعقيداتها وتنويعها مقارنة بالعمارة العالمية في الستينيات، وفي نفس الوقت يمكن ان يحقق ذلك نوعا من التوحيد في المراكز العمرانية.
البناء: مثل نمط عمارة مدينة باريس التاريخية؟
باتريك شوماخر: المدن التاريخية واضحة، ومعظم المناطق العمرانية لديها وحدة إعتبارية وتناغم لوجود محددات في المواد ،التناسق، الاحجام، والعناصر والتفاصيل. كل المدن التاريخية التي بنيت على هذه الاعتبارات كانت مدن جميلة، ولكن في بداية فترة الحداثة كان يمكنك أن تجد في مدن مثل برازيليا وميامي حيث يوجد هناك تناغم. إلا أنه في الثمانينيات والتسعينيات حصل هناك تشتت نوعي عكس بدوره التعددية في العمارة المعاصرة. وهذا أثر على جمال المدن.
البناء: ما هي النصيحة التي يمكن ان تقدمها للمعماريين المحللين؟
باتريك شوماخر: ما يمكن ان يكون اضافة كبيرة هو ان يقوم المعماريون بالدراسة والتعمق بالامور البيئية ليس فقط لتحقيق الراحة او لترشيد استهلاك الطاقة ولكن ليكون لديهم تفاعل قوي مع المعايير البيئية، على سبيل المثال : التظليل، حوائط سميكة وعناصر كهذه مثل محاولة ايجاد فضاء خارجي مبرد وبه تهوية ولتحقيق الوحدة بين المباني بحيث نتعرف من خلال عمارته على المناخ الذي ينتمي إليه، فهناك مباني تنتمي للمناخ الاستوائي وهناك مباني تنتمي للمناطق الشمالية الباردة. إذا استطاع الجميع تحقيق هذا سنصل إلى صفة مميزة ترمز للمنطقة. ويمكنكم عمل ذلك وفي نفس الوقت توفرون استهلاك الطاقة والمياه في المباني، كما يمكنكم بناء مباني ضخمة ومعاصرة ولكن يجب أن تكون متناسقة فيما بينها وتشترك في التكيف مع المناخ، وهذا يصنع وحدة بين المباني. كما على الجهات المسؤلة أن تخفف من اشتراطاتها لان المدينة تحتاج لتنمو وتستكشف ما تحتاجه، ايضا من الصعب على المخططين معرفة ما ستحتاجه المدن. لكن كما أنه من المهم الاستثمار في البنى التحتية و الساحات العامة، وهذا أحد أدوار الجهات المحلية. هذا الامر لا يمكن تحقيقه بسهولة ولكن هناك ضرورة لاعطاء بعض الحرية للمعماريين.
ايضاً هناك دور للهيئات الهندسية والمجلات المتخصصة في الترويج والنقد وصنع مجال للتحاور والنقاش الذي يطور قيم معينة يتشارك فيها الجميع، وهذا يساعد على التعاون بين المعماريين، وعند تنظيم مسابقات معمارية بمشاركة معماريين عالميين يجب ان يكون المعماريين المحليين في اللجان التحكيمية للمسابقات لضمان تحقيق المعماريين العالميين للمتطلبات المحلية.
البناء: بالنسبة لعملائك الذين تعاملت معهم هنا، ما هو انطباعك عنهم، هل كانت لديهم متطلبات كثيرة وهل اعطوك حرية في العمل؟
باتريك شوماخر: كانت لديهم متطلبات كثيرة لاننا كنا نعمل ضمن جدول محدد ولكن كانت لديهم الحرفية في التعامل ولدينا معهم علاقة طيبة. في الواقع، تم انشاء مكتب لهم معنا في لندن وادارة فريق واحد من المعماريين والمهندسين. وهذا كان امر جيد حيث استوعبوا أن العمارة هي عمل ابداعي وتحتاج إلى جودة في التنفيذ وأن الأمر يحتاج إلى التصميم الدقيق كما كان لديهم دافع للتعلم وفي الاجمالي كانت تجربة جيدة.
البناء: المكاتب العالمية تتفوق كثيراً على المكاتب المحلية في خبراتها وامكانياتها، في رأيك كيف يمكن للمعماريين المحللين المنافسة؟
باتريك شوماخر: هذا أمر صعب، ولكن يجب على المعماريين المحليين تعلم كيفية العمل على مستوى عالمي. وعلى المعماريين الشباب بالإضافة إلى التعليم المحلي الإنفتاح على التعليم المعماري في الخارج بحيث يجب ان يتعلموا فن المهنة والافكار والمفاهيم المعمارية العالمية، وعندها يمكنهم التنافس عالمياً.
الرياض مركز حضري رائع، ولديكم العديد من المبدعين الناشئين والذين يمكن ان يصنعو اسمائهم محلياً ومن ثم يتنقلو الى العالمية. وهذا ما يحصل الان مع المعماريين الصينيين على سبيل المثال، كمال فعلها اليابانيون من قبل. وحتى في الدول الصغيرة الأوروبية امثال بجارك انجيلز (مكتب بيج) من الدانمارك وريم كولهاس من هولندا. في بعض الاحيان قد يحدث أن يبرز هناك احد الرياديين الذي يمكن أن يقود هذا الانتقال، وقد يتحقق هذا في المستقبل القريب. في العمارة يمكن ان تكون مشهوراً بايجاد حلول ابداعية التي ليس من الضروري ان تكون لمشروعات ضخمة. فمثلا نحن في زها حديد معمارييون اصبحنا مشهورين من المشاريع الصغيرة ، ولكن ليحدث هذا من الضروري ان يكون هناك إخلاص في البحث وأصالة في العمل. وهذا يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم .
إضافة تعليق جديد