إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
فكرة المباني الجامعية تعني جمع الناس في مكان واحد لغرض التعليم والمعرفة كما أنها تشجع على التواصل وتبادل الافكار فيما بينهم . ويمكن أن تنشاء منفردة داخل أو قريبة من المدن، أو يمكن أن تجمع مع بعضها لتؤسس ما يعرف بالمدن الجامعية. كما أن هناك الكثير من الخصائص التي يجب أن يراعيها التخطيط العمراني و التصميم المعماري للمباني والمدن الجامعية ، والتي تميزها عن غيرها مثل التوسع المستقبلي للمباني الجامعية وتطبيق معايير الإستدامة والمحافظة على البيئة ،ومثل تأثير الانترنت وإستخدام وسائل الإتصال وحفظ المعلومات الحديثة علي التعليم الجامعي وكل ما يمكن ان يؤثر بطريقة او بأخري علي نجاح العملية التعليمية من انشطة وخدمات. علي انه من الضروري في البداية ان نتعرف اكثر علي ما تعنيه المدن الجامعية وتخطيطها وتأثيرها علي العمارة الجامعية بشكل عام قبل التوسع في عمارة المباني الإجتماعية بشكل خاص .
المدن الجامعية : تمثل المدن الجامعية ومبانيها أحد مكونات الاستيطان البشري .حيث يرجع بناء المدن الجامعية التقليدية في الغرب إلى العصور الإغريقية. المدن الجامعية هي مدن بحد ذاتها تجمع بين التعليم والسكن والترفيه والرياضة والكثير من مناحي الحياة ، لكن مايجعل المدن الجامعية مختلفة عن المدينة هو أنه في المدن الجامعية هناك مجموعة من الناس يعيشون مرحلة من حياتهم، بينما في المدينة هناك مرحلة حياتية مستمرة. عادة ما يختار للمدن الجامعية أن تكون في مواقع خارج أو بعيدة عن المدينة إلا أنه مع الوقت تتمدد المدينة لتحيط بالمدن الجامعية وتصبح المباني الجامعية جزء لا يتجزأ من المدينة ، كما أن هناك مدن جامعية ولدت أصلاً داخل المدن، الأمر الذي يؤكد على العلاقة القوية بين المدينة الجامعية والمدينة بحيث يمكن أن توثر عليها ، فالمدينة الكبيرة لها تأثير على نجاح المدينة الجامعية. كما أن الصورة الذهنية للمدن الجامعية تحددها عمارة مبانيها، فعادة ما تكون المدن الجامعية ذات طابع معماري موحد يعطي وحدة واحدة للمدينة الجامعية وهوية معمارية قوية.
تخطيط المدن الجامعية : ولذلك يمثل تخطيط المدن الجامعية العنصر الأساس لتحديد البيئة المبنية التي سوف تحقق الأهداف التعليمية والتي ستحمل الهوية التي تعبر عن مباني الجامعة في عيون الخريجين والطلبة والمجتمع بشكل عام.
يؤثر تخطيط المدن الجامعية على التعليم وعلى الحياة المعيشية المستعملين لها. حيث يهتم التخطيط بتحديد استعمالات الأراضي وتأمين محاور الحركة والتوسع المستقبلي وتحقيق توازن بين علاقات المناطق والمدينة ومدى مرونتها لتلائم استعمالات المدينة الجامعية مع التطورات المستقبلية.
تمثل المنطقة التعليمية (الأكاديمية ) والإدارية وسط المدينة الجامعية ويضاف إليها كل من الإسكان والترفيه والرياضة والخدمات الطلابية. كل منطقة أو نشاط يجب أن تحدد له استعمالاته الخاصة واحتياجاته من الأراضي والعلاقات بينه وبين المناطق التعليمية والإدارية الأخرى، كما يجب أن تحقق جميعها المعايير الاستدامية المختلفة على المدى القريب والبعيد.
عمارة المباني الجامعية : وكما أن تصميم المدن الجامعية يؤثر على المدينة بشكل عام فإنه يمكن التحدث عن المباني الجامعية من وجهة النظر المعمارية لكونها مباني تخدم الحياة الثقافية والاجتماعية لمجموعة من الناس، يؤثرون على المباني والمباني بأشكالها تؤثر بدورها عليهم . ونظراً لكون المباني الجامعية تعني جمع الناس في مكان واحد لغرض التعليم والمعرفة فإن العمارة الجامعية يجب أن تكون مستلهمة من تاريخ المكان لإعطاء المباني الجامعية هوية قوية متميزة ومعبرة وتاريخية. ولذلك فإن هناك ضرورة لدراسة السياق الزماني والمكاني للمباني الجامعية سواء كانت منفردة أو في إطار المدن الجامعية، كما يجب فهم متطلبات الطلبة و المدرسين والجهات التعليمية . من الناحية الرمزية يجب على تصميم المباني التعليمية أن تكرم التعليم والمعرفة من خلال عمارة تكرم الطلبة والمدرسين والموظفين، كما يجب أن تكون مباني تعبر عن المستقبل فعادة ما يرغب أصحاب الجامعات في أن توحي المباني بالمستقبل ، كون التعليم يهدف تحقيق مستقبل أفضل للدارسين . تاريخياً كانت الجامعات ذات مبنى واحد، ولكن مع الحاجة إلى التخصص العلمي أصبحت هناك مباني لكل تخصص علمي، كما زادت الأنشطة التي تخدم وتدور حول التعليم الجامعي، ولذلك تعددت أنواع المباني والخدمات التي تخدم العملية التعليمية ومن أهمها :
المباني الأكاديمية : وهي المباني التي تؤي الفراغات التي تمارس فيها العملية التعليمية من فصول ومدرجات وأماكن تجمع تعليمية مثل الصالات المتعددة الأغراض والمكتبات أو إسترخائي مثل الكافيتريات، والأفنية والحدائق الخضراء . هذه المباني تؤي كذلك تجهيزات ومعامل، وتحتاج إلى مواصفات بنائية خاصة ومكلفة ولذلك هي مباني تحتاج إلى الكثير من المرونة و إمكانيات التغيير لتواكب التطور السريع التقني المستمر الحاصل اليوم .
المباني الإدارية : هذه المباني تكون هامة وضرورية في حالة المدن الجامعية حيث تكون مسؤليتها كبيرة نظراً للحاجات الإدارية المجمعة فيها لخدمة كافة الأنشطة التي تحتويها المدينة الجامعية وعادة ما يتوسط موقعها المدينة الجامعية وتحمل عمارتها طابع مركزي . وفي حالة المباني المنفردة فإنها تكون إدارات تختص بخدمة نشاط تعليمي منفرد وتكون جزء من أجزاء المبنى .
المكتبة المركزية : في الحقبتين الأخيرتين حدث تحولاً جذرياً في تصميم مباني المكتبات الجامعية، حيث تعاظم دورها الوظيفي وتنوعت الخدمات التي تقدمها بحيث أصبح دور المكتبة الجامعية جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية ، وتلاشت الحدود التي كانت تفصل بينها وبين المباني التعليمية الأخرى. ومع تطور تقنيات المعلومات أصبحت المكتبة مركزاً للتعليم أكثر من كونها مكان لحفظ الكتب وقراءتها .
السكن : يحقق توفير الإسكان سواء داخل المدينة الجامعية أو بمفردها حلاً إقتصادياً واستدامياً سواء للطلبة أو للمدرسين والإداريين خاصة إذا كان قريبا من المباني التعليمية فهو يحد من إستئجار المساكن ، ولذلك لم يعد توفير الإسكان الجامعي اختيارياً بل أصبح من الضروريات الملحة، بحيث أصبح تخطيط المدن الجامعية يهدف إلى تحقيق أساسيات التعليم ، الإدارة، والسكن.
المباني الرياضية : الرياضة والترفيه أصبحت تعني الصحة ، والجسم المميز أصبح مطلباً للطلبة مما دفع إلى تطور مبانيها من صالات رياضية وملاعب مفتوحة ومسابح بالإضافة إلى مباني ذات تخصصات رياضية مختلفة.
متطلبات جديدة : المتطلبات من المباني ازدادت لتشمل رعاية الأطفال وتوجيه الخريجين والإعانات المالية للطلبة. تطور التعليم الإلكتروني ووسائله الأمر الذي أدى إلى التأثير الكبير على برامج المباني ومكونات المخططات العامة للمدن الجامعية.
الشبكات التحتية : لا يمكن أن يكتمل المخطط العام بدون معالجة الشبكات التحتية المختلفة فهي إما ظاهرة فوق الأرض أو مخفية تحتها. ويعتبر الهاجس البيئي والإقتصادي من أهم العوامل المؤثرة على الشبكات التحتية نتيجة للطلب المتزايد على مرافقها مثل الشبكات الإلكترونية أو مواقف السيارات.
تمثل المباني التالية : الأكاديمية، الإدارية، السكنية، الترفيهية والرياضية وخدمات الطلاب بالإضافة إلى الشبكات التحتية أهم المباني الجامعية ، كما أن هناك مباني أخرى يمكن إضافتها مثل المستشفيات التعليمية وعياداتها، ومثل مباني الأبحاث والتي يمكن للشركات الخاصة أن تشتري أو تستأجر فيها أراضي لبناء مرافق بحثية فيها لتستفيد من قربها من المتخصصين من مدرسين وباحثين اليوم .
التوسع والتغيير المستقبلي للمدن والمباني الجامعية: هناك مشكلة كبيرة تواجه العمارة الجامعية وهي الحاجة إلى أن تأخذ في حسبانها التوسع المستقبلي للمدن والمباني الجامعية فهناك علوم تحتاج إلى توسعات كبيرة غير مرئية خاصة الجامعات البحثية وتوفير المرونة وحرية الإستعمال والتغيير إذا لزم الأمر . ولذلك يجب أن تأخذ المباني الجامعية في حسابها التغيير والتوسع المستقبلي نتيجة لزيادة أعداد الطلبة وتطور التقنيات .كما يجب أن تواكب المباني الجامعية تطور المجتمع حيث أصبحت هذه المباني تقدم خدماتها لهذه المجتمعات سواء كان من الناحية العلمية أو الرياضية أو الترفيهية ، ولذلك يعتمد نجاح المباني الجامعية اليوم على مدى قدرتها على تطوير العلاقة بينها وبين مجتمعها الذي تقع فيه من حيث الإنفتاح عليه ومتابعة تطوره والتأقلم والتعاون معه.
إستعمال الإنترنت في التعليم الجامعي : لقد أدى تطور التعليم الإلكتروني ووسائله وإستعمال الانترنت على نطاق واسع إلى التأثير الكبير على برامج المباني ومكونات المخططات العامة للمدن الجامعية. فلماذا تبنى قاعات كبيرة دراسية بينما يمكن أن يستعمل الطالب الكمبيوتر وهو في منزله . هذه التسأولات أصبحت تتردد كثيراً اليوم بل أصبحت الجامعات توفر التعليم عن بعد. إلاّ أنه يبدو أن المباني التعليمية مازالت تمثل قيمة عملية تتمثل في الإلتقاء والتواصل بين المدرسين والطلبة ورمزية هامة، فالطلبة يتذكرون البيئة المبنية التي درسوا فيها وهي لها تآثير عليهم.
نستعرض في هذا العدد مجموعة من المباني التعليمية من أنحاء مختلفة من العالم وهي:
_
جامعة محمد السادس للتقنية – المغرب : مكتب Ricardo Bofill
يمثل المشروع مرحلة تنفيذية من مراحل تنفيذ مباني المدينة الجامعية ويتكون من عدد من مباني تخدم أنشطة تعليمية وخدمية مختلفة ، يتميز تصميمها بطابع معماري موحد و تجانس إنشائي ومقايس إنسانية يذكر بالتشكيلات المعمارية التقليدية للمدن المغربية.
كلية العلوم الإجتماعية – تايوان : مكتب Toyo Ito
المعماري الياباني المصمم لهذا المشروع حاصل علي جائزة بريتزكر المعمارية العالمية وتتسم تصاميمه بالبساطة الشكلية بالرغم من عمقها الفكري والتقني. التصميم نجح في تحقيق قيم ومباديء العمارة الجامعية التي يجب أن تندمج مع موقعها وأن تستوحي عمارتها من البيئة المحلية. المشروع يتكون من مبنيين يتسمان بالبساطة الشكلية إلا أنهما يرتبطان تماماً بمحيطهم القريب مع إستلهام عمارتها من عناصر البيئة الطبيعية المحلية ، وخاصة مبنى المكتبة الذي يتميز سطحه بتشكيل حدائقي يتبع نمط تنسيق الحديقة الطبيعية المحيطة به بينما تنبع هذه التشكيلات في الواقع من متطلبات تصميم الهيكل الإنشائي للمكتبة الذي يحاكي تشكيلات أشجار الغابات الطبيعية التي تشتهر بها تايوان .
كلية التقنية ، الجامعة الجنوبية – الدنمارك : مكتب C.F .Moller Architects
يهدف التصميم إلى التعبير عن النشاط العلمي الذي يمارس داخل المبني من خلال تصميم واجهات ذات فتحات تعبر أشكالها ذات الدوائر الكاملة المتعددة الأحجام عن الإبداع الذي يهدف إليه التعليم التقني، إلاّ أنها في نفس الوقت تحمي المبني من أشعة الشمس وتوفر إطلالة وإضاءة طبيعية وفيرة داخلية . من الداخل تميز المبنى بمرونة عالية تحتاجها هذا النوع من التعليم، مرونة تسمح بسهولة إجراء توسعات أو تغييرات في مكونات المبنى من معامل وورش ، فلقد تم وضع خدمات المبنى وجمعها بطريقة مكتنزة في وسط التكوين توفر في مساحتها بهدف تحرير معظم مساقط الأدوار من الإستعمالات الثابتة من سلالم وخدمات وفراغات مشتركة ليسهل إعادة توزيع فعالياتها ليواكب تطورات التعليم التقني المختلفة من أساليب دراسية وتجهيزات علمية .
جامعة لويجي بوكوني – ميلانو ايطاليا: مكتب Grafton Architectsيتكون هذا المكتب من معماريتين فازاتا بجائزة بريتزكر المعمارية العالمية ، ومشروع الجامعة هذا كان أول مشروع يعرف عن أعمالهما على مستوى العالم. يهدف تصميم الجامعة إلى دمج الجامعة بالفضاء العام للمدينة من حولها، ولقد تحقق ذلك من خلال فتح الدور الأرضي تماماً على الشوارع المحيطة وبحيث وضعت فعاليات الجامعة إما فوقه أو تحته في الدور الأرضي ليصبح هو بهو الجامعة في نفس الوقت .
إدارة جامعة FPT- فيتنام : مكتب Vo Trong Nghia Architect
نظراً للدور الرئيس الذي تلعبه إدارة الجامعات وخاصة في المدن الجامعية فلقد صمم المبنى على شكل بوابة كبيرة هي بوابة الجامعة . ولتحقيق علاقة بين المبنى والطبيعة بهدف بيئي وجمالي استلهم شكل المبنى من تكوينات أحواض الزهور .
مبنى البيئة وكفاءة الطاقة – الصين : مكتب Mario Cucinella Architects
يستلهم المبنى عمارته الخضراء من وظيفته البيئية وتحقيق تصميم سلبي للتحكم في البيئة الخارجية خاصة وأنه يشكل معرضاً لتحقيق إمكانية خفض إنبعاثات الكربون .
مركز تعليمي لكلية العلوم – هولندا :Ector Hoogstad Architecten
يتميز هذا المبنى بتصميم يحقق كافة متطلبات الراحة ومرونة وإضاءة طبيعية وفيرة ، من خلال عمارة عالية التقنية مع سيولة فراغية وإنفتاح الأنشطة على بعضها البعض لتواكب التطور الحاصل في إستخدام الحواسب والانترنت في التعليم .
استوديو الفنون، جامعة بومونا – الولايات المتحدة : مكتب wHY
يتبع هذا المبنى مبدء معماري للتغير في إستهلاك الطاقة مستوحاً من العمارة التقليدية في أنحاء مختلفة من العالم وفي منطقتنا كذلك، وهو جعل الفراغات العامة للمباني فراغات في الهواء الطلق بحيث لا يتم تكييف الهواء إلاّ في الفراغات الخاصة فقط. في هذا المبنى وضعت الفراغات تحت سقف كبير مع عمل فناء مفتوح كبير في وسط المبنى.
سكن للطلاب من الخشب – فرنسا : مكتب A+A Architects
المبنى هو عمارة مكونة من 8 طوابق ويضم غرف للطلبة بينما هيكله الإنشائي من الخشب، وهو توجه بدء يأخذ طريقه للإنتشار في أنحاء مختلفة من العالم بحيث بدأت تظهر عمارت خشبية شاهقة في الإرتفاع. يلجاء المصممين للهياكل الخشبية نظراً لكونها صديقة من مواد طبيعية كما أن التوجه العام اليوم هو إستبدال الهياكل الخرسانية بهياكل يسهل هدمها وإعادة تدويرها .
مركز تعليمي ، جامعة ريرسون – تورنتو ،كندا: مكتب Snohetta
يحاول هذا التصميم أن يفتح المركز على الإندماج في الفضاء العام للمدينة فهو يوفر ساحات خارجية رحبة تمتد طبيعتها داخل المبنى الذي تنفتح في نفس الوقت أنشطته على الخارج من خلال توزيع نشاطاته العلمية والترفيهية والإسترخائية بطريقة تجعلها قريبة من الخارج مثل المدرج العام المجاور للمدخل في الدور الأرضي الذي يمكن مشاهدة فعالياته من الخارج عبر فتحاته الزجاجية الكبيرة . بينما تمتد الأنشطة العامة وتختلط بالأنشطة العلمية في أدوار المبنى المتعددة مع المحافظة على خصوصيتها التعليمية . كما يتميز التصميم بواجهات ذات تشكيلات زخرفية تحقق تميزاً معمارياً للمبنى عن باقي المباني المجاورة ولكنها توفر خصوصية داخلية بالرغم من كونها واجهات زجاجية ، كما تعمل على حماية المبنى من أشعة الشمس (يبدو أنها مستوحاة من المشربيات الحجازية – والله اعلم) .
إضافة تعليق جديد