يدور الحديث في الكثير من دول العالم اليوم عن ضرورة رفع مستوى جودة المباني بعد سنين طويلة مرت في إنتاج مباني الكثير منها أصبح غير صالح للعيش فيه ليس لقدمه فقط ولكن لأنه لم يراعي فيه مثلاً الطرق الصحيحة للعزل الحراري مما يؤدي إلى زيادة إستهلاك الطاقة أو إستعمال أنظمة ومواد بناء غير قابلة للتدوير قد تشكل عبء على أصحابها وعلى المدينة عند هدم المباني أو عدم مرونة توزيعها الداخلي بحيث لايمكن التغيير فيه لتواكب تطور أساليب المعيشة أو العمل . في منطقتنا تعاني المباني ليس فقط من هذه الأسباب بل تعاني أيضا من سوء تصميمها وإنشائها، الأمر الذي يجعل المهمة غاية في الصعوبة فالبعض يرى أن ذلك يرجع إلى غياب الأنظمة والبعض الآخر يرى أن المجتمع ليس لديه الوعي الكاف عن العمارة والبناء فبماذا أو من أين نبدأ . هل نبدأ بوضع الأنظمة وسن القوانين أم نقوم بتوعية مجتمعاتنا؟
يقال أن العمارة هي مرآة للمجتمع ويعني ذلك أنه كلما كان المجتمع واعياً ومقدراً لمتطلبات المباني من جمال في التصميم وجودة في الإنشاء كلما ظهر ذلك على عمارة المباني وعمران المدن. وذلك يرجع إلى كون المجتمع هو المستفيد الأول من المباني وهو المقرر الأول لإحتياجاته منها فالمساكن والمستشفيات والمكاتب والمدارس كلها تبنى لخدمته ولتوفير إحتياجاته السكنية والصحية والتعليمية، حتى أصبح المجتمع يستشار في بنائها في كثير من الدول فيما يعرف بالعمارة الإشتراكية Participatory Architecture أو عمارة المباني بمشاركة أفراد المجتمع فيستشار السكان في تصميم مساكنهم وفي إختيار شكلها وموادها قبل بنائها بل والمشاركة في بنائها في بعض الأحيان، ويأتي ذلك للتأكد من نجاح المشروعات قبل الشروع فيها. على أن هذا التوجه لم يكن ليأخذ به إلا لكون المجتمع لديه مستوى معين من الثقافة المعمارية و المعرفة حول المباني وطرق إنشائها. في منطقتنا ليس للمجتمع رأي أو مشاركة ملموسة في المجال المعماري أو الإنشائي وإن كانت هناك آراء أو مشاركة فهي في كثير من الأحيان هي سلبية ويرجع ذلك إلى غياب التوعية والتثقيف حول البناء والمباني وهذا في رأيي هومن أهم اسباب سوء التصميم والتنفيذ في منطقتنا، فبالرغم من وجود أنظمة للبناء يبقى المستفيد أو المستعمل للمشروع هو صاحب القرار فالمصمم المعماري أو المقاول يحتاج إلى رأي اصحاب المشاريع من قبول أو رفض للتصميم أو التنفيذ . ولذلك فإني مقتنع تماما أنه مهما فرضت من أنظمة أو مواصفات أو كودات للبناء على مجتمع غير واع أو مدرك لأهميتها فإنه سيكون من الصعب تنفيذها، فلنبدأ أولاً بالمجتمع قبل الانظمة، فما يحصل اليوم هو أننا نضع العربة قبل الحصان، وهذا يعني أننا بحاجة إلى برامج توعية كبيرة وعلى مستويات فئوية مختلفة من المجتمع تصاحب سن القوانين والانظمة الرقابية على البناء إن لم تكن لتسبقها .
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد