Housing From the East
إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
مازالت المشروعات السكنية تشكل أهمية تطويرية وعمرانية داخل المدن، في كثير من أنحاء العالم بدأت تظهر نماذج جديدة للسكن تهدف إلى زيادة الكثافة السكنية وتعدد الإستعمالات فيها ويكون السكن أكثر قرباً من الخدمات وأماكن العمل بهدف الحد من إستخدام السيارات. هذه هي الأهداف المشتركة لتصميم المشاريع السكنية في أنحاء العالم إلا أن لكل منطقة خصائص إقتصادية وإجتماعية وبيئية وثقافية يمكن أن تشكل الإختلاف بين المشروعات السكنية من منطقة إلى أخرى . وإذا كان الجزء الغربي من العالم له خصائص تختلف عن المناطق الأخرى إلا أنه يبدو مؤثراً على باقي الأجزاء من حيث التصميم المعماري للمشاريع السكنية، أما الجزءالشرقي من العالم فتتميز مناطقه بخصائص واضحة عن غيرها، الشرق أصبح اليوم يتميز بإرتفاع كبير في إمكانياته الإقتصادية خاصة في دول مثل الخليج العربي، كما تشهد منطقته تحولات إجتماعية سريعة ناتجة عن تطور مستوى التعليم، إلا أن العادات والتقاليد مازات لها أهمية خاصة في كثير من دول الشرق. كما أن معظم دول الشرقتختلف عن الكثير من دول العالم من حيث مناخها الحار الأمر الذي يجعل لمبانيها طابعاً خاصاً أو هكذا يجب أن تكون عليه .
في هذا العدد نحاول أن نركز على بعض مشاريع الشرق الحالية وإلى أين يتجه التصميم المعماري فيها، وعلى ماذا يركز المعماريون في مقترحاتهم، وما هي الحلول السكنية المطروحة على الساحة اليوم.
فالمشروعان السكنيان لكل من مكتب MVRDV ومكتب RGG Architects اللذان يقعان في مدينة دبي هما مشروعان يتشابهان إلى حد كبير في بعض تفاصيل تصميمهما المعماري ، على أنه تم الإعلان عن مشروع MVRDV قبل الآخر . مشروع MVRDV يتكون من عدد من الأبراج وساحة وسطية، الأبراج متوسطة الإرتفاع وجاء إختيار تشكيلها بعد دراسة للنماذج السكنية المعاصرة. بينما مشروع RGG Architects يتكون من برج واحد مرتفع . المشروعان متعددان الإستعمالات، ويتشابهان في فكرة الشقق السكنية المكونة من وحدات إنشائية مكعبة متكررة، تم تجميعها فيما بينها لتكوين غرف الشقق السكنية وتكوين البرج نفسه . معمارياً يطلق على هذه المكعبات مصطلح Module أو الوحدة التي يمكن تكرارها لتكوين الشكل العام للمبنى، هذه الوحدات تسمح بتشكيل الأبراج بحيث يمكن حذف أو إضافة وحدات منها، وهي تعطي حرية للتشكيل لا تتبع المسار الرأسي الجامد للأبراج وتهدف كذلك إلى تفاعل المباني مع محيطها، ففي الأدوار الأولى تشكل الوحدات قاعدة بنائية عريضة ذات تكوين هرمي مع إرتداد وبروزات تنتج من عملية حذف وإضافة المكعبات جاءت من خلال إحتياجات الشقق السكنية من مساحات وغرف، تأوي هذه المكعبات شرفات مظللة وتحتوي على أحواض زراعة وسواتر مزخرفة توفر خصوصية بصرية لداخل الشقق بينما توفر الشرفات مناخاً مريحاً يمكن المعيشة فيها. ترتفع الأبراج بعد ذلك متبعة المسار الرأسي مع قليل من الحذف والإضافة للمكعبات . الفكرة هي أنه عند القاعدة هناك فرص للتواصل بين السكان من خلال الشرفات يمكن أن تعزز الترابط الإجتماعي بينهم، وفي نفس الوقت توفر الشرفات، وبما توفره من عناصر بيئة، الخصوصية البصرية لغرف الشقق السكنية. أما في الأدوار العليا فتم التركيز على فكرة الإطلالة البصرية الرائعة على المدينة كلما زاد الإرتفاع .
مشروع القطعة رقم ١٢٨٢ من مكتبBernard Khoury/DW5 هو مشروع تطوير عقاري سكني يقع في أحد ضواحي بيروت التي تفتقد إلى مخطط عام ينظم ويهذب الأراضي، فأرض المشروع تبلغ مساحتها ٥٤٠٠م٢ وهي ذات شكل طولي غير منتظم وتطل على شارع واحد رئيس بضلع طوله ٦امتار فقط، ولكنها ذات ميزة كونها أرض مرتفعة يمكن أن توفر إطلالة رائعة على المدينة على الأقل في الوقت الراهن، حيث أن المنطقة المحيطة بها مازالت أراضي بيضاء خالية من المباني. وهو ماحاول التصميم التركيز عليه بجعل الواجهات زجاجية وذات شفافية عالية . وهنا الواجهات الزجاجية الكبيرة لا تتعارض مع المناخ المعتدل للمناطق المرتفعة في بيروت . من الداخل صممت الوحدات على هيئة (Loft ) وهو مصطلح يطلق على فراغات مخصصة للورش الصناعية مهجورة يتم تحويلها إلى فراغات سكنية، وكانت تتميز في الماضي بقيمتها المنخفضة وبرحابة مساحتها وإرتفاع أسقفها، ونجحت فكرتها وإنتشرت في الغرب فيما بعد على هذا النوع من الفراغات، في هذا المشروع إختار المصمم هذه الفكرة كون المنطقة غير مخصصة للسكن ، فكل وحدة ذات مساحات رحبة و بإرتفاع دورين . معمارياً فإن المشروعات ذات الأهداف التطويرية العقارية تحتاج إلى أفكار معمارية تحقق قيمة مضافة علاوة على قيمتها الأساسية وتجذب إليها المشترين وهو ماقدمه المكتب المصمم، فالمشروع يتبع الطابع المعماري لمكتب برنارد خوري ، وهو طابع ربما قد يري البعض أنه لا ينتمي إلى عمارة الشرق، فمن فالواضح أنه لايحقق أية خصوصية من خلال واجهاته الزجاجية الكبيرة ، ولكنه طابع ذو شخصية قوية تفرض نفسها كل مرة على أرض الواقع، وتتميز بالخطوط الصارمة والألوان الداكنة، كما يتميز بعنصر المفاجئة فالمشروع يشبه إلى حد بعيد السفينة ولو أن ما أملي هذا الشكل على المشروع هو شكل الأرض والرغبة في إستغلال أكبر مساحة منها وتحقيق الإطلالة على المدينة. كما تتميز أعمال هذا المكتب بالحلول المعمارية الفراغية الذكية، فالمنطقة وإن كانت غير مخصصة للسكن فالوحدات صممت على شكل مساحات صناعية إلا أنه يمكن تحويلها إلى وحدات سكنية، كما يلاحظ عدم وجود بهو إستقبال بل يتم الوصول إلى الوحدات السكنية من خلال أبراج لسلالم الهروب ظاهرة في الواجهات. كل هذه الخصائص التي يقدمها التصميم هي في حد ذاتها مميزات تضيف قيم مادية إلى المشروع فالعمارة ذات الشخصية القوية و المتميزة شكلياً والغير مبالغ فيها وذات الحلول الذكية والمتجددة هي في حد ذاتها تعتبر قيم إضافية لقيمة المشروع الأساسية التي تتكون من قيمة الارض وتكلفة البناء.
مشروع سكن جامعي لمكتب Sanjay Puri Architects هو مشروع لجامعة هندية تقع في مدينة ماتورة . يتكون المشروع من عدد من الأجنحة يحتوي كل جناح على غرف سكنية للطلبة بعدد إجمالي يبلغ ٨٠٠ غرفة، صممت الأجنحة بتوزيع يراعي الشكل المثلث للموقع، وهي على هيئة أشرطة طولية تتمدد لتحيط بحدائق خارجية تتخلل المباني . الواجهات شبه مصمتة وغطيت نوافذ الغرف من الخارج ببروزات بشكل منشوري موجهة لإستقبال الرياح السائدة ولحماية النوافذ من أشعة الشمس المباشرة، بينما تسمح فتحات على ممرات توزيع الغرف بالتهوية العرضية للأجنحة الشريطية القليلة السماكة . يراعي المشروع البيئة الحارة في منطقته التي لا تنخفض حرارتها عن ٣٠ درجة مئوية على مدار السنة ، فالتصميم عضوي في تكوينه العام وفي تفاصيله المعمارية . يعتمد التصميم المعماري على كتل ذات شكل منشوري ومساقط ينحسر فيها الهواء من خلال فتحاتها المتقابلة التي تكون واحدة أكبر من الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى زيادة سرعة الهواء والمساعدة على التهوية الطبيعية وهو ما سوف نلاحظه في مسقط كل من مساحات المدخل والمقهى ، كما لجأ المصمم إلى زراعة الفضاءات التي تتخلل الأجنحة بحيث تساعد على تبريد الهواء المتسرب إلى داخلها . ومن الضروري هنا أن نتفهم الهدف من وراء طرق التهوية الطبيعية التي لن تجعلنا نستغني عن التهوية الصناعية ولكنها سوف تساعد على التقليل من إستخدامها والتوفير في إستهلاك الطاقة. الكثير من هذه الطرق كانت تستخدم في المباني القديمة في المناطق الحارة إلا أن الإنبهار بالعمارة الغربية جعلنا نستغني عن المباني القديمة وكل وسائل الراحة فيها .
مشروع ٣بيروت لمكتب Foster & Partners هو مشروع تطوير عقاري في وسط بيروت ذو مواصفات فاخرة وهو مجاور لمشروع شرفات بيروت لمكتب Herzog & De Meuron الذي سبق إستعراضه في عدد المجلة رقم 327 . المشروع مكون من ٣ أبراج سكنية بإرتفاعات مختلفة رصت بطريقة متدرجة من حيث إرتفاعها كل برج قسم طوليا إلى قسمين تتخللها عل المستوى الأرضي ممرات تسمح بمرور المشاة بينها حيث تقع على الممرات ومحلات وخدمات تجارية. كل برج يضم عدد من الوحدات السكنية الموجهة التوجيه الصحيح لتجنب أشعة الشمس في فصل الصيف ، فالواجهات الشمالية والجنوبية ذات فتحات كبيرة بينما الواجهات الغربية والشرقية فهي ذات فتحات صغيرة مستطيلة. في الواجهة الجنوبية هناك شرفات تسمح بإمتداد فراغات الوحدات السكنية إلى الخارج وفيها أحواض زراعية توفر خصوصية بصرية بينها وبين محيطها . المشروع وإن كان يبدو ذو تصميم حديث بالمقارنة بما حوله من مباني ذات طابع تاريخي إلا أنه يوفر فراغات وتفاصيل معمارية مستلهمة من المباني التقليدية، فالدور الأرضي وممراته المخصصة للمشاة وأفنيته المنسقة بإستعمال عناصر مائية والأبراج العالية الثلاث التي توفر ظلالها حماية للممرات والمحلات من أشعة الشمس المباشرة، تذكرنا بالأسواق وأزقتها وحوانيتها التقليدية في بيروت القديمة كما يحترم التصميم خصوصية السكان بتفاصيل طبيعية في الشرفات من الزراعات والشجيرات.
إضافة تعليق جديد