إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
شهدت المباني المكتبية في الحقبة الأخيرة تحولات جذرية تتعلق بعضها بأساليب العمل المكتبي وبعلاقة مبانيه بمكونات المدينة، كما تتعلق بالمستجدات على ساحة التصميم المعماري ومن أهمها تطبيق معايير الإستدامة وتطور تقنيات التواصل. فبعد إستعمال الإنترنت والهواتف الذكية بدء العمل المكتبي يتحرر شيئاً فشيئاً من إرتباطه بمكان العمل الأمر الذي أدى إلى إمكانية إنجاز الأعمال المكتبية خارج مقرات المؤسسات، كما أدى إلى إمكانية توزع أماكن العمل على أنحاء مختلفة من المدن بعد أن كانت تجمع في ما يعرف بمراكز الأعمال. جاءت معايير الإستدامة لتؤكد على ضرورة تقريب أماكن العمل من السكن والتقليل من حركة النقل والإزدحام المروري والحد من تلوث هواء المدن، والتشجيع على المشي لخفض إستهلاك الطاقة من جهة وللإهتمام بالصحة العامة لسكان المدن من جهة، وجعل المباني أكثر إنفتاحاً على المشاة أو بمعنى آخر تحسين جودة حياة الناس في المدن.
كما أدت مراعاة الجوانب الإقتصادية والإجتماعية من الإستدامة إلى تخيل أساليب عمل مكتبية جديدة تهدف إلى إمكانية إستعمال المساحة المكتبية الواحدة لأكثر من مؤسسة، وإلى إعادة النظر في التصاميم الداخلية للمكاتب لتحسين حياة الموظفين و تعزيز التواصل والإحساس بالترابط فيما بينهم والإنتماء إلى المؤسسة، ورفع مستوى كفاءة مكان العمل بل وكفاءة إستهلاك الطاقة لتحقيق زيادة الإنتاج ورفع نوعية العمل المكتبي فلا يجب أن يسبب خفض إستهلاك الطاقة في العمل المكتبي إلى خفض الإنتاج في العمل بل العكس. وبشكل عام تطور تصميم المباني المكتبية معمارياً وإنشائياً لتحقيق المرونة في المباني بحيث تتقبل إستعمالات جديدة مكتبية وغير مكتبية ، فلقد ثبت أنه من الصعب هدم المباني والأبراج المكتبية العالية التي تم بنائها في القرن العشرين التي لم تعد صالحة للإستعمال المكتبي، وأنه من الأفضل إعادة تأهيلها لخدمة وظائف جديدة معاصرة. نستعرض هنا أربعة أمثلة لمباني مكتبية أو كانت كذلك قبل تحويل وظيفتها. المبنى الأول وهو مشروع لمركز العمارة الدنماركي من تصميم مكتب Oma هومشروع متعدد الإستعمالات يضم بالإضافة إلى مركز العمارة مساحات مكتبية وأخرى تجارية بالإضافة إلى مساحات سكنية. بالرغم من تنوع الوظائف إلا أن المبنى جاء متجانساً في الشكل من خلال إستعمال كتل هندسية ذات تشابه شكلي تم رصها بين بعضها البعض لتحقيق التجانس بين وظائفها المختلفة. هذا المشروع يوضح فكرة تحرر المباني المكتبية من مراكز العمل التي كانت تجمعها في الماضي لتكون أكثر قرباً من السكن ومن الخدمات الأخرى وأن الإختلاف في وظائف المبنى لا تؤثر سلباً على تصميم المباني بل هي دافع إلى إبتكار عمارة جديدة تحقق المتطلبات المعاصرة. المبنى الثاني مبنى بنك بي .بي.في. ايه. المكسيكي من تصميم إتحاد مكتبين عالميين مكتب Legorreta المكسيكي ومكتب Rogers Stirk Harbour + Partners البريطاني ليحمل التصميم اسميهما مجتمعين وهو LegoRogers ويتميز التصميم بأنه جمع توجهين معماريين مختلفين، توجه محلي ويمثله المكتب المكسيكي وتوجه عالي التقنية ويمثله المكتب البريطاني ويظهر التوجهين في التصميم جنباً إلى جنب التوجه المحلي المتأثر بعمارة المكسيك ذات الألوان الزاهية ( الوردي والأخضر والأصفر) والتي تعبر عن الهوية المحلية للبنك والتوجه عالي التقني ذي الهيكل الإنشائي المعدني الخارجي الذي يخلي المساحات المكتبية من الأعمدة الداخلية ليوفر مرونة عالية للإستعمالات الداخلية. التصميم يحاول أن يفتح المبنى على مناخ المدينة من خلال شرفات ذات حدائق تشكل مساحات ترويحية وتواصلية لموظفي البنك. التصميم يربط المبنى المكتبي بالمدينة والمنطقة من حوله فهو يسمح بإطلالة جيدة على المدينة من خلال واجهاته الزجاجية ومن خلال الشرفات وبمداخل منفصلة ولكن واضحة لكل من المرتادين والموظفين. كما يربط التصميم المبنى مع مكونات المنطقة، فهو يرتفع عالياً ليشكل مع البرج المقابل له بوابة عند بداية الشارع الرئيس المار بين المبنيين تفتح على الحديقة العامة الكبيرة المقابلة للشارع . المبنى الثالث هو مبنى مكتبي حكومي تم تحويله إلى فندق فخم من تصميم مكتب Foster + Partners لم يواجه التصميم الجديد للمبنى مشاكل كبيرة ليتماشى مع متطلبات خفض إستهلاك الطاقة ، بالرغم من أنه بني في الستينيات، حماية الواجهات من أشعة الشمس المباشر ة . فلقد أخذ التصميم الأصلي للمبنى ذلك في الحسبان من خلال نوافذ مائلة وموجهة وغائرة في الواجهات لتحقيق حماية كافية للمبني . إلا أن التصميم ركز على إعادة تصميم قاعدة المبنى والفضاءات الخارجية التابعة للمبنى بحيث يصبح المبنى أكثر إتاحة للمشاة خاصة أن الموقع محاط بشوارع ذات حركة مرورية عالية. المبنى الرابع هو مبنى مكتبي من تصميم مكتب Grupa 5 Architekci نظراً لشكل الأرض ولصغر مساحتها يحاول التصميم أن يستغل كامل المساحات المكتبية من خلال ما تسمح به أنظمة البناء من إرتفاعات وإمتدادات خارجية موظفاً في ذلك الجانب الإنشائي لتحقيق غايته كما يحاول أن يندمج شكلاً مع العمارة المحيطة من خلال إتباع خطوط وتقسيمات واجهات المباني المحيطة.
إضافة تعليق جديد