إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
تعتبر رياضة كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى في العالم، تطورت هذه الرياضة في السنين الأخيرة بشكل ملحوظ وطغت على الألعاب الرياضية والمنافسات الرياضية الأخرى. فى هذا العدد نستعرض مشروعات إستادات كأس العالم لكرة القدم ٢٠١٨م فى روسيا من حيث تصميمها المعماري والظروف والأحداث المحيطة التي أثرت على عمارة هذه الإستادات، فهذه المشروعات تشغل مساحات كبيرة في المناطق التي تقام فيها تؤثر وتتأثر بما حولها مكانياً وزمانياً، كما أنها تحتاج إلى إستثمارت كبيرة لأي دولة تقوم بإستقبال مباريات كأس العالم على أراضيها – على مدى زمني قصير – لتأمين إستادات تلبي معايير إتحاد كرة القدم من حيث الطاقة الإستيعابية للمتفرجين في كل إستادات، بالإضافة إلى معايير السلامة وحفظ الأمن وإدارة دخول وخروج الأعداد الغفيرة من المشجعين والفصل بين فئاتهم، في إطار فضاءات حيوية مفعمة بالحيوية تتسم بسهولة الإستعمال وتوفير الراحة ومتعة مشاهدة المباريات والإثارة وتمضية أوقات وتجربة ترفيهية إستثنائية وتقديم عمارة معلمية تحترم وتعبر عن هوية المناطق التي تقام فيها وتبعث بالإعتزاز لدى سكانها كما تخدم إحتياجات حدث كأس العالم بالإضافة إلى إحتياجات السكان المحليين بعد إنقضاء حدث كأس العالم . ولإستعراض هذه الأستادات نحتاج إلى عرض سريع لأهداف من وراء هذا النوع من المشاريع والجوانب التصميمية الهامة التي يجب مراعاتها.
في البداية كانت الإستادات الرياضية تجمع بين مباريات كرة القدم وألعاب القوى الأخرى وكانت طاقة الإستادات تتراوح مابين 60،000 إلى 100،000 متفرج. وكان مضمار الركض البالغ طوله 400متر هو الذي يحدد قياسات ومساحات الإستاد و باقي فعالياته ، إلا أنه نتيجة الإزعاج الحاصل من تقاطع برامج توقيتات لعبة كرة القدم مع الألعاب الأخرى ظهرت الحاجة إلى ضرورة بناء إستادات خاصة بكرة القدم. إنتشرت إستادات كرة القدم بعد ذلك وتطورت عمارتها وبالمقارنة قل الإهتمام بإستادات ألعاب القوى، وأسس الإتحاد العالمي لكرة القدم فى عام 1904م وأصبح مسئولاً عن تنظيم مسابقات كأس العالم لكرة القدم . حيث لم تكن مباريات كرة القدم في إطار الألعاب الأولمبية تلبي طموح محبي ومشجعي هذه الرياضة خاصة وأن الألعاب الأولمبية لم تكن تسمح بمشاركة الرياضيين إلا لمن هم أقل من 20 عاماً. ومنذ تأسيس الإتحاد بدأت تتطور رياضة كرة القدم ومنافساتها فبالإضافة إلى تنظيم كأس العالم قام الإتحاد بتنظيم مسابقة كأس أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا بالإضافة إلى المسابقة المحلية والموسمية والمباريات الودية. يختلف تصميم إستاد رياضة كرة القدم في أنه ألغي المضمار للإستفادة من مساحته في زيادة الطاقة الإستيعابية للمتفرجين ولتخصيص مساحات رحبة للشخصيات الهامة وخفض المساحة بشكل عام لإمكانية تزويد الإستادات بتغطية تحمي المتفرجين من الأمطار والرياح والشمس.
اليوم يجب أن يحقق التصميم المعماري للإستادات الرياضية سواء كانت متعددة الإستعمالات أو ذات إستعمال واحد عدد من المعايير التصميمية من أهمها عشرة معايير هي :
– إختيار الموقع : بالإضافة إلى مراعاة الطبيعة الجغرافية و الخصائص التاريخية والثقافية والإجتماعية للموقع، هناك جوانب أخرى يجب مراعاتها ومنها العلاقة بوسائل وشبكات النقل المختلفة ( طرق ونقل عام ، قطارات ، حركة جوية ) فكلما إقترب الإستاد منها كلما زاد الإقبال عليه ، بحيث يكون الإستاد متاح للسكان المحليين والوافدين من الخارج.
– الإندماج داخل المحيط الحضري : يجب أن يخدم الإستاد السكان المحليين وأن يحقق تطلاعاتهم ، كونه يشغل مساحات كبيرة من الأراضي يجب أن تعود بالنفع عليهم. عادة ما يتم إختيار مواقع الإستادات في ثلاث أنواع من المواقع؛ فهي إما تكون داخل النسيج العمراني للمدن أو أن تكون في مناطق مفتوحة أو أن تكون ضمن مدن أو مجمعات رياضية كبيرة ( إستادات الألعاب الأولمبية)، هذه المواقع ذات الطبيعة العمرانية والإمكانيات المختلفة التي يمكن أن توفرها تؤثر بشكل كبير على عمارة الإستادات وخدماتها. فإذا كان الموقع قريب أو داخل الأحياء السكنية فيجب أن يراعي التصميم مشكلة الضوضاء وحركة الدخول والخروج الناتجة عن الجمع الكبير من المتفرجين .كما إذا كان الموقع في مناطق مفتوحة يجب أن تراعي عمارته طبيعة الأراضي المحيطة سواء كانت أراضي زراعية أو حدائق عامة أو أراضي بيضاء لم يصلها العمران بعد. وإذا كان الإستاد داخل مجمع رياضي فيجب أن تتبع عمارته التصميم العام للمجمع .
– الشكل العام للإستاد : عادة ما تتبع الإستادات في شكلها العام معايير إتحاد كرة القدم وهناك نماذج متعارف عليها لشكل الإستاد وهي الشكل البيضاوي والدائري والسداسي والمستطيل الدائري الأركان والمستطيل المفتوح الزوايا والمفتوح الجانبين .تناسب الإستادات البيضاوية والدائرية الإستخدامات المتعددة (مضمار وملعب) بينما يحقق المستطيل الدائري الأركان علاقة جيدة بين الملعب والمدرجات فى إستادات كرة القدم، أما الإستادات المفتوحة الأركان فهي الأقل تكلفة كونها ذات تصميم مبسط إلا أنها مميزة لأنها تسمح بإطلالة واسعة للمتفرجين على المناطق المحيطة خاصة إذا كانت ذات طبيعة خلابة ( جبال ، بحر ، حدائق غناء ) .
– حركة المتفرجين : هناك ٣ نماذج رئيسة للحركة تهدف جميعها إلى تحقيق دخول وخروج آمن وسهل للمتفرجين وتعتمد على عدد طبقات المدرجات والفصل بين فئات المتفرجين ( فصل مدرجات الشخصيات الهامة و الفصل بين مشجعي الأندية المتنافسة) . فإذا كانت المدرجات من طبقة واحدة مدفونة في الأرض فالدخول يكون من المستوى العلوي الذي يكون الأرضي من خلال ممر توزيع خارجي دائري حول المدرجات . إذا كانت المدرجات مكونة من طبقتين فإنه يتم الدخول إليها عبر مستوى وسطي بين الطبقتين من خلال ممر دائري يمكن النزول أو الصعود منه إلى طبقتي المدرجات ، وإذا كان عدد طبقات المدرجات ٣ تزود المدرجات بأكثر من ممر دائري ، بالإضافة إلى مخارج صغيرة متعددة موزعة على المدرجات وتوفير عدد كافي من المصاعد والسلالم والمنحدرات .
– المدرجات : يعتمد تصميم المدرجات على الطاقة الإستيعابية للمتفرجين المراد تحقيقها والتي تحدد عدد طبقات المدرجات، على أنه من الملاحظ أن زيادة الطاقة الإستيعابية للإسادات والحاجة إلى إعادة تأهيلها كانت السبب في توسعة العديد من الإستادات القائمة والتاريخية الأمر الذي يعني إضافة طبقات مدرجات جديدة مما يؤثر بشكل كبير على تصميم المدرجات . كما يجب أن يراعي تصميم المدرجات زاوية مشاهدة مريحة وتحقيق درجة ميول مناسبة للمدرجات وعادة ما تكون الطبقة الأولى أو السفلية للمدرجات ذات زواية ميول صغيرة بينما العلوية فتكون زوايا الميول أكثر حدة .
– مقاعد المدرجات : اليوم أصبح من الضرورى توفير مقعد لكل متفرج بعد أن المتفرجين يجلسون على دكك بطول المدرجات ، تتبع المقاعد مواصفات ومقاييس إتحاد كرة القدم كما تتبع أنظمة البناء المعمول بها في كل دولة ، يراعي تصميم المقاعد تأمين الوصول إليها والحركة بين صفوفها و تأمين الرؤية وهي إما ثابتة أو قابلة للطي. وقد تلون المقاعد بألوان الأندية التي يتبع لها الإستاد. ويأخذ في الإعتبار توفير مقاعد للشخصيات الهامة وكذلك للمعاقين.
– أجنحة الشخصيات الهامة : توفر هذه الأماكن مساحات ذات مواصفات فاخرة من مقاعد مع توفير خدمات ضيافة مختلفة من جلسات إستراحة ومطاعم وقاعات إجتماعات وخدمة صحية وتقسم المقاعد فيها على جلسات خاصة يمكن أن تخصص لمجموعات مختلفة من المتفرجين.
– الأنظمة الإنشائية للإستادات :عادة ما تكون الإستادات منفصلة إنشائياً إلى عنصرين؛ مباني المدرجات وتبنى عادة من الخرسانة والسقف الذي يمكن أن يجمع بين الواجهات والسقف في عنصر واحد هو الغطاء وعادة يكون من مواد خفيفة يمكن معها تقليل نقاط إرتكازه ليسمح بخلو مدرجات الإستاد من الأعمدة التي قد تحجب رؤية المتفرجين الكاملة للملعب وعادة ماتستعمل الهياكل الحديدية ويتم تغطيتها بمواد خفيفة مثل الخيام أو بعض المواد الحديثة مثل مادة ETFE وهي عبارة عن وحدات (وسادات) مصنوعة من لدائن يتم تعبئتها بالهواء لكي تكتسب صلابة مع خفة وزنها. يراعي التصميم الإنشائي للغطاء مقاومة الرياح وتحمل الوزن الزائد من سقوط الثلوج والأمطار وتصريفها.
– الفصل بين المدرجات والملاعب : تكمن ضرورة الفصل بين المدرجات والملاعب في منع المتفرجين من الإختلاط بالرياضيين ولكن هذا الفصل يجب أن يراعي جوانب السلامة فالفصل لا يجب أن يمنع هروب المتفرجين إلى داخل الإستاد أو الملاعب في حالة حدوث كوارث (حريق أوتدافع) ولذلك يكون الفصل برفع مستوى المدرجات عن مستوى الملاعب بقدار ٢ م مع عمل الحماية اللازمة من حواجز زجاجية شفافة لا تحجب الرؤية ودرابزينات، أوحفر خندق بين المدرجات والملاعب مع إستخدام عبارات للهروب إلى الملعب عند اللزوم. في الإستادات التي لايتم فيها الفصل الكامل جيداً يتم نشر حراس أمن في أوقات المباريات، كما يتم تزويد المدرجات بأبواب هروب لاتقفل بل يوضع حراس عليها .
– إنارة الملاعب : يراعي تصميم إنارة الملاعب التوزيع المنتظم للضوء وتجنب الوهج كما يعتمد التصميم على نوع الرياضة التي سوف تمارس داخل الإستاد. اليوم هناك ثلاثة طرق لإنارة الإستادات الإنارة المثبتة على سواري عالية الإرتفاع والتي تكون خارج المدرجات وهناك الإنارة المثبتة على الإطار الداخلي لغطاء الإستاد وتشكل عنصراً من عناصر تصميم الغطاء. كمايعتمد تصميم الإنارة كذلك أنظمة إتحاد كرة القدم لإنارة الإستادات، التي تمنع أن تسبب الإنارة الإزعاج لسكان المباني المجاورة كما تنظم أنواع الإنارة ومواصفاتها و إحتياجات النقل التلفزيوني للمباريات .
نستعرض هنا مشاريع إستادات كأس العلم ٢٠١٨م في روسيا وعددها ١٢ إستاد وزعت علي العاصمة موسكو والمدن الرئيسة، تأثرت واجهات هذه المشاريع بمصاعب إقتصادية من عدم دقة التقديرات الأولية لتكلفة المشروعات التي تضاعفت مع إنخفاض العملة الروسية فى عام 2015م . إنقسمت مشاريع الإستادات إلى مشاريع إعادة تأهيل لتزويدها بخدمات إضافية ولرفع سعتها وعددها ٢ أو إلى مشاريع جديدة وعددها ١٠ أقيم بعضها على أنقاض إستادات تم هدمها بحيث تلبي متطلبات الجهة المنظمة لكأس العالم . تم إختيار مواقع هذه الإستادات لقرب مواقعها من شبكات الطرق والنقل العام الرئيسة أو مراكز المدن. تضمنت البرامج المعمارية لهذه الإستادات إضافة خدمات ومرافق رياضية و ترفيهية ومساحات مكتبية وتجارية تخدم المناطق التي أقيمت فيها ، كما زودت بعضها بمدرجات مؤقتة لتلبية متطلبات كأس العالم على أن يتم إزالتها بعدها لتلائم الإحتياجات المحلية منها . تأثر التصميم المعماري من السياق الإقتصادي الذى صاحب مراحل التصميم والتنفيذ فتغير التصميم المعماري فتم تغيير مصمم أو منفذ المشروع تارة ، ومن خلال الحاجة إلى خفض التكلفة تم تغيير أنظمة ومواد البناء أو خفض المساحات تارة أخرى . كان يحدث ذلك أثناء مراحل التنفيذ الأمر الذي أدى إلى مواجهة التصميم والتنفيذ لصعوبات جمة إنشائية ومعمارية وتقنية وتأخير فى تسليم المشروعات . إلا أنه بالرغم من ذلك فإن الإستادات حققت أهدافها وإعتبر تنظيم كأس العالم لكرة القدم ٢٠١٨م فى روسيا من أنجح دورات كأس العالم لكرة القدم حسب قول رئيس الإتحاد. ويظهر ذلك في نجاح معظم المشروعات على المحافظة على الفكرة المعمارية الأصلية ومنها الشكل العام للإستاد التي كان بعضها يهدف إلى المحافظة على العمارة التاريخية مثل في إستادى لوزنيكي في موسكو الذي إستقبل مبارة نهائي الكأس وإستاد إكاترينبرغ . أو التعبير عن الهوية المحلية أو هوية النادي الرياضي الذي يتبع له الإستاد مثل إستادات كل من روستوف وسبارتك وكالينينغراد وموردوفيا التي عبرت عن النوادي التابعة لها وفى كل من إستادت سمارة التي عبر فيها التصميم عن صناعة الطائرات والمركبات الفضائية التي إشتهرت فيها المدينة فجاء المشروع على شكل طبق طائر و إستاد فيشت الذي عبر التصميم فيها عن التضاريس الجفرافية في سوتشي ففيشت تعني المرتفع الصغير أو إستاد نيزهني نوفغورود الذي يعبر لون عمارته الأبيض عن الرياح والأنهار التي تشتهر في منطقته وهناك الإستادات ذات الإفكار المعمارية الدارجة مثل أستاد فولغوغراد الذي يعبر شكله الدائري عن موقعه الذي يتوسط محاور طرق متعددة بحيث يظهر بمظهر موحد من كافة الجهات أو إستاد سان بيترسبرغ الذي جاء على شكل طبق طائر ليعبر عن المستقبل .
إضافة تعليق جديد