Energy Transition : Zero Carbon Strategy
إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أباالخيل
بدأت فكرة التحول في الطاقة تظهر في بداية التسعينات وكانت تضم عدداً من التحولات الإقتصادية والعلمية والتقنية وكانت تتضمن أبحاث ودراسات حول وسائل إنتاج الطاقة بهدف تخفيف تأثيرها السلبي على البيئة الطبيعية . اليوم وبعد ٤٠ عام من إنطلاق مسيرة التحول في الطاقة وتقدم العلوم فيها وتكوين رؤية جديدة للحياة على الأرض، يمكن أن نستخلص حقيقتين:
الحقيقة الأولى : تؤكد على وجود علاقة وثيقة بين البيئات والسلالات الحيوانية والنباتية وأن إختلال هذه العلاقة يؤثر على توازن الحياة في هذا الكون . فانقراض سلالة حيوانية أو نباتية ما واختفائها سوف يؤثر سلباً على التوازن الحياتي للبيئة التي تعيش فيه وبطريقة أعم على الحياة على اليابسة وفي المحيطات وعلى الغلاف الجوي .
الحقيقة الثانية : تؤكد على أن العنصر البشري يعتمد على الأنظمة الطبيعية التي تربطه بعالم البكتريات ، والأنواع المختلفة للمخلوقات ، والفضاء الكوني الواسع.
هذه الحقائق تدفع إلى إعادة النظر في كل التقدم العلمي البشري حتي اليوم . هذا التحول لا يمكن أن يتم بدون تحولات في الفكر والمجتمع والسياسة والإقتصاد، والتي لا يمكن أن تتحقق بدون تعاون بشري كوني ، يأخذ في اعتباره الخصائص المناخية والبيئية والاحتياجات المحلية لكل مكان أو منطقة في العالم.
ولذلك انعقد مؤتمر باريس للمناخ ٢٠١٥ للإتفاق بين دول العالم على خفض حرارة الأرض درجتين مئويتين. ويهدف الإتفاق الذي تحقق في مؤتمر باريس للمناخ ٢٠١٥ إلى تحقيق توازن بين انبعاثات الغازات الدفيئة ووسائل امتصاص تلك الغازات حتى نهاية هذا القرن، ويعرف الإتفاق باستراتيجية الكربون المنخفض كما يطلق عليه عبارة «نحو صفر كربون»، أو الحد من الكربون ، أو صفر كربون (Zero Carbon).
لا تهدف الاسترتيجية أن تقضي تماماً على انبعاثات الغازات الدفيئة كلياً ولكنها تعني إيجاد توازن بين انبعاثات الغازات الدفيئة ( وليس الكربون فقط ) التي تنتجها الأنشطة البشرية، وبين مقدرة الأنظمة البيئية الطبيعية على إمتصاصها .
لماذا يجب تخفيض حرارة الأرض درجتين مئويتين :
لقد كانت حرارة الأرض محافظة على مستوى مقبول قبل العصر الصناعي، من خلال تحقيق توازن بين انبعاثات الغازات الدفيئة وخاصة وسائل امتصاص الكربون بطريقة طبيعية ، وكان ذلك وراء بقاء حرارة الأرض منخفضة بنحو ٢ درجة مئوية . فالدورة الطبيعية للكربون تستدعي تفاعلات وتبادلات، كيميائية وبيئية وأرضية ( Biogeochemical)، بين الأنظمة البيئية الطبيعية والفضاء الطبيعي والمحيطات . هذه التبادلات اليوم هي في حالة عدم توازن نتيجة لانبعاثات الغازات الناتجة عن النشاط البشري من إحتراق الوقود الأحفوري ( استهلاك البترول ) من جهة، وما أقدم عليه الإنسان من استنفاذ وإزالة الغابات من جهة أخرى، فالزيادة الناتجة من انبعاثات الغازات بعد عملية التبادلات هي التي تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي . ويقدر الباحثون أن نصف الانبعاثات يتم ذوبانها طبيعياً في المحيطات نتيجة لظاهرة التمثيل الضوئي، ويبقي النصف الآخر منها في الغلاف الجوي، وهي التي تخلق مشكلة الاحتباس الحراري التي بدورها تؤثر سلباً على مقدرة العوامل الطبيعية ( المحيطات ) على امتصاص الغازات الدفيئة . ولذلك يجب أن يتم وضع استرتيجية عالمية لخفض الانبعاثات الناتجة من النشاط البشري والعمل على إيجاد حلول جديدة للاستعمالات البشرية التي تنتج عنها الانبعاثات على الأرض، مثل العمل على تخزين ثاني أوكسيد الكربون ، وإيجاد حلول لتحويل ثاني أوكسيد الكربون .
أهم الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري :
ــ ثاني أوكيسد الكربون ( CO2 ) يكتفي بالإشارة إليه بالكربون ويعتبر المتسبب الرئيس وتقدر زيادة نسبته في الغلاف الجوي ٤٠٪ منذ بداية عصر الصناعة .
ــ بروتوكسيد الأزوت ( N2O).
ــ غار الميثان ( CH4 ).
ما هي القطاعات التي تنتج الانبعاثات :
قطاع الطاقة : من خلال محطات الكهرباء.
قطاعي الإسكان والخدمات : من خلال التكييف أو التدفئة.
قطاع النقل : من خلال عادم السيارات ، الطائرات ، نقل البضائع.
قطاع الصناعة : من خلال الصناعات الساخنة ( التي تستخدم الأفران ) والإنبعاثات الناتجة عن طرق التصنيع بواسطة الغازات الدفيئة (غاز الفلور ).
قطاع الزراعة : من خلال غاز (الأزوت) الناتج عن الأسمدة وغاز (الميثان) الناتج عن تربية الأبقار.
معالجة النفايات : من خلال غاز ( الميثان ) الذي ينبعث من مكبات النفايات .
كيف يمكن خفض الإنبعاثات هذه الغازات في كل قطاع؟
أحد أهم الوسائل هو تطبيق ما يعرف بالإقتصاد الدائري،
تتحمل المدن اليوم مسؤولية كبيرة تجاه المناخ ومحاولة تخفيض درجة الحرارة درجتين مئوييتين، فسكان المدن سيشكلون نحو ٧٠ ٪ من سكان العالم الآن ويشاركون في إنتاج ٧٠٪ من مجموع الانبعاثات .
التوفير في الوقود الأحفوري في مجال البناء :
يعتبر أسرع تحقيقاً نسبياً إذا ما قورن بمجال النقل. ولكن تطبيق التطويرات في مجال العزل مثلاً تصطدم بتعدد أنواع المباني : مباني جديدة أو قائمة ،مبانى خاصة أو عامة، مؤجرة أم لا، سكنية أم تجارية، في المدن أم في الريف
كما تصطدم التطبيقات بتعدد الجهات المشتركة في البناء : خبراء طاقة، عمال بناء، مكاتب إستشارية، معماريين، وممولين.
كما تصطدم التطبيقات بمجموع الأنظمة الرسمية والخاصة التي ترسخت في قطاع البناء مثل : الأنظمة الضريبية ، الأنظمة العمرانية ، الأنظمة والعادات السائدة المراعية للتجاور بين المباني، المعايير المعمارية للمباني والمحافظة على التراث المعماري السائدة.
علاقة المباني و التحول في الطاقة واستراتيجية نحو صفر كربون على مستوى العالم :
بالنسبة للعالم فإن مساحة المباني قد تضاعفت منذ عام ١٩٩٠ ويمكن أن تتضاعف المساحة الحالية مرة أخرى حتى عام ٢٠٦٠ . المباني أصبحت مسؤولة عن ٣٩.٪ من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن استهلاك الطاقة . كما تلعب المباني دوراً هاماً في مجال تطوير شبكات الكهرباء بهدف استعمال الطاقات النظيفة في سوق البناء .
في الوقت الحالي المباني مسؤولة عن ٣٦٪ من استهلاك الطاقة في العالم وترفع بوتيرة ١٪ من إنبعاثات الكربون كل عام ، ولذلك يجب استخدام وسائل وتقنيات جديدة ومبانى أقل انبعاثاً للكربون، إذا أردنا تحقيق استرتيجية نحو صفر كربون في منتصف هذا القرن .
هذه الأهداف غير محققة اليوم، حيث أن المباني المتوقع إنشاؤها في الأربعين سنة القادمة في نصف العالم لن تخضع لأي أنظمة كفاءة الطاقة ، كون الكثير من الدول لم تهتم حتى الأن بتطوير استرتيجيات للتحول في الطاقة.
هناك العديد من المجالات التي نحتاج إلى تطويرها في المباني من أهمها :
– تكييف أو تدفئة المباني المراعية للبيئة .
– تصنيع مواد البناء.
– طرق تنفيذ المباني.
– التخلص من نفايات.
– استخدام طاقة نظيفة.
نموذج من الأهداف التي تعمل على تحقيقها الدول الصناعية الكبرى (ألمانيا) :
ألمانيا من الدول الصناعية الكبرى التي سوف تستطيع تحقيق استراتيجية نحو صفر كربون في مجال المباني ليس حتى نهاية هذا القرن بل قبل ذلك حتى عام 2050، ومن أهم الأهداف التي تعمل على تحقيقها : تقديم برنامج دعم مادي ، تصميم مباني صفر كربون محافظة على البيئة، تقديم أفكار تصميمية على مستوى تخطيط الأحياء، متابعة التطور السكاني والعقاري ، تطوير كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة. المسؤولية في مجال تحقيق نحو صفر كربون في ألمانيا موزعة على جهات متعددة ، حيث تعتمد سياسات تحقيق استراتيجية نحو صفر كربون على : الإعلام ، وتقديم المشورة ، والدعم المالي ، والأدوات القانونية ، والأدوات البحثية. وتقدم ألمانيا حلولاً منها :
وثيقة الجواز البيئي الذي تسجل فيه كل التحسينات التي أدخلت على المبنى الذي يقترح إستخدامه في حالة عدم توفر الإمكانيات المادية لعمل مجموع التحسينات دفعة واحدة، وتحسين برامج دعم رفع كفاءة الطاقة ، وتحسين كفاءة الطاقة على مستوى الحي ، وتسهيل الأنظمة ،
وتطوير ونشر واستخدام التطبيقات الألكترونية المساعدة على رفع كفاءة الطاقة في المباني.
مسؤولية المصمم المعماري :
استراتيجية «نحو صفر كربون » في قطاع المباني تعني بتطبيق معايير الإستدامة ، ولا تعني فقط خفض انبعاثات الغازات الدفيئة فقط ، فإذا أردنا استخدام الطاقات المتجددة في بلد ما، يجب في البداية مراعاة الجوانب التالية :
- اختيار الطاقة المتجددة المناسبة محلياً ولنوع وطبيعة المبنى، لتحقيق أعلى استفادة من استعمال هذه الطاقة .
- اختيار مواد تكون ذات طبيعة مستدامة . هذا يؤكد على أهمية المسؤولية البيئية للمصممين والملاك أيضاً، تجاه مجتمعاتهم . هذه المسؤولية يجب أن تُقدّم على شروط البناء الأخرى دون أن تلغيها . وهي تحتاج إلى فترة تدريب وتأقلم للمصممين عليها، لدمجها داخل الأفكار التصميمية .
- إن أي مبنى جديد يتم بناؤه يشكل عنصر جديد في البيئة ويجب دمجه فيها بدون أي تأثيرات سلبية عليها، وهنا يصبح تعاون المصمم المعماري كمستشار للمالك أمراً ضرورياً ، وذلك في مجالات متعددة . ويرجع ذلك إلى أنه من المستحيل على الإدرات المحلية أن تقوم بمفردها وأن تدير بفعالية أو تحقق الإنسجام بين العدد الهائل من القوانين والأنظمة الملزمة لتحقيق التحول البيئي . كما أن الأنظمة والقوانين المتعددة أصبحت تستدعي أن يطور المصمم إعداد فريقه التصميمي وخبراته وتنوع تخصصاته وأن يتعاون المصمم مع عدد متنامي من الخبراء والمستشارين لتحقيق مشروع يوفر وينسق تصميمه بين كل الاحتياجات التي تتطلبها معالجة التحولات البيئية .
- يعتبر التحكم في استهلاك الطاقة القاعدة التي تنطلق منه كل الخطوات ، والتي يجب إتخاذها لتحقيق التحول في الطاقة . إن أول طاقة يجب التحكم فيها في البناء هي تلك التي لانستخدمها مثل استخدام المواد التي تمتص الكربون ، والتي لا تحتاج إلى استخدام إلا كمية طاقة قليلة في تصنيعها ، مثل المواد الطبيعية التقليدية (التربة ، الحجر ، الخشب، القش ، الخ …) مع ملاحظة أن تكون أماكن توفرها قريبة من مواقع البناء ، بحيث تقلل من الطاقة المستخدمة في نقلها . وهذا يتطلب إعادة اكتشاف طرق البناء التقليدية وإدخال التقنيات الحديثة إليها، لتحسين أداؤها وتطويعها لمتطلبات التصميم والبناء المعاصرة وسهولة إستخدامها وصيانتها وسلامة البناء بها.
ونتيجة للتطور السريع الهائل للتقنية الحديثة في مجال البناء وخاصة مع استعمال التصميم الرقمي يرى البعض أنه سيكون من السهل الاستغناء عن المصمم المعماري من خلال استخدام الحسابات اللوغرتمية لاستخلاص وتحقيق الفعالية القصوى، وإيجاد الحلول المثالية للمباني ولخفض التأثيرات السلبية البيئية على المناخ، والتحكم في استهلاك الطاقة، و خفض تكلفة البناء، وغيرها من المعايير الإستدامية . هذا لن يحدث، لأن دور المصمم المعماري على مر التاريخ، لم يقتصر فقط على الجمع بين عدد من العلوم، ولكنه دور يتطلب الحكم الإنساني على هذه العلوم والمعارف، واختيار ما هو نافع للناس من خلال التوجهات أو المعايير الثقافية الإنسانية المعاصرة. فعلى عكس عصر الحداثة ذي القيم المادية ، الذي جعل التصميم المعماري يعتمد على تصنيع المباني (المبنى أصبح ينظر له كالآلة) والفصل بين الوظائف في المدينة (مناطق للعمل والتجارة ومناطق للسكن)، فإن التحول البيئي يتطلب من المباني والمدن أن تلبي متطلبات التنوع في الاستعمالات والاختلاط بين الفئات الاجتماعية وإنتشار الفضاءات العامة ذات الطبيعة الخضراء في المدن. إنه توجه ذو قيم إنسانية يحرر التصميم المعماري من التوجهات الفكرية الخاصة بكل فئة ليجمع بين كافة فئات المجتمع الإنساني ويفتح المجال للإنسانية جمعاء أن تتصالح مع الكون والأحياء الطبيعية المختلفة .
كما أن التصميم المعماري للمباني هو بطبيعته مجال للجمع بين الكثير من العلوم والتطبيقات ولذلك فإن مايراعيه التصميم لتحقيق استراتيجية نحو صفر كربون يتناول العديد من التطبيقات والمعلومات ومن أهمها :
- لا يجب اليوم أن نصمم المباني بمعزل عن الأنظمة العمرانية، فالمباني السكنية مثلاً (والتي هي الأكثر دراسة ومتابعة) يجب أن يراعى فيها النواحي الاجتماعية (أهلية الحصول على المسكن ، التجاور الطبقي ، توفير التجهيزات والخدمات والمرافق) ، المرونة والتكيف مع مراحل حياة الإنسان وأنشطته ( الإنتقال من السكن إلى آخر ، الإرتباط بما حاصل حوله، الشيخوخة ) ، النواحي الإقتصادية ( سعر المسكن، تكلفة التشغيل ، القيمة الإستثمارية للمسكن) ، النواحي الصحية (مقاومة الضوضاء، نوعية الهواء)، نوعية الحياة (المستوى المعيشي ، التنوع البيئي، النقل)، خفض التأثير السلبي الناتج عن النواحي البيئية واستهلاك الطاقة (التوفير في استهلاك الطاقة ، خفض التأثير السلبي على الموارد الطبيعية ، الإقتصاد الدائري ، استعمال الطاقات المتجددة).
- تحقيق الموائمة بين المتطلبات المعاصرة والمتطلبات طوال عمر المبنى الإفتراضي : يواجه تصميم المباني اليوم صعوبة في الموائمة ، بين ما يجب أن يحققه المبنى على المدى البعيد من حيث سرعة في التنفيذ، ومرونة في الإستعمال، ومتانة، وإستمرار فعليته وعلى مقدرته على التكيف ، وذلك طوال عمره الإفتراضي المتوقع له، وما يجب أن يحققه على المدى القريب من احتياجات خاصة وآنية لسكانه في العصر الرقمي الذي نعيش فيه .
- بالنسبة للطاقة : يجب أن يراعي تصميم المباني تأقلم المباني مع طرق الإنتاج والإستهلاك والتخزين الجديدة للطاقة في مختلف مجالات استعمالها : على مستوى المبنى ومستوى البلوك السكني ومستوى الحي ومستوى المدينة ، وعلى مستوى الشبكات الذكية من حيث المشاركة في استهلاكها وتخزينها التي أصبحت توفرها شبكات الطاقات المتجددة ، والإنتاج الذاتي للكهرباء ، وإعادة استخدام الطاقة الحرارية الناتجة من الصناعة.
- ولذلك فإنه من الضروري إيجاد مؤسسات للبحث والتطوير في مجالات البناء قادرة على دراسة ومتابعة حالة المباني وطرق إستعمالها من قبل السكان بحيث يمكن الاسترشاد بها عند ابتكار حلول جديدة خاصة بتحقيق استراتيجية الحد من الكربون . فما يتم صرفه من مبالغ هائلة على المشروعات العمرانية في أي منطقة من العالم يتطلب إيجاد هذا النوع من المؤسسات فيها. الحلول الجديدة تبدأ من استعمال البرامج الرقمية في تطوير وسائل تصميم وإدارة المباني (BIM ) مثل نظام نمذجة معلومات المباني أو Building Information Modelling والبرامج المختلفة لمراقبة الاستهلاك والتحكم في التشغيل، وحتى إعادة النظر في أنظمة البناء من النواحي الأمنية والصحية والبيئية والاقتصادية والتشريعية. بالإضافة إلى ذلك يجب إيجاد المؤسسات البحثية في تطوير وتقديم حلول تقنية وتقنيات جديدة لتحقيق استراتيجية الحد من الكربون ، في المباني القائمة والجديدة .
التحول في الطاقة والمجتمع :
التحول في الطاقة يهدف إلى نقد أسلوب الحياة المعاصر الذي اتصف منذ قرن من الزمن بالاعتماد على استعمال الطاقة وهدرها وخاصة في مجال المباني، كما يهدف إلي تغير هذا الأسلوب والتحول من مجتمع مستهلك وهادر للطاقة إلى مجتمع يرشد في استهلاكها ويحافظ على مواردها . هذه التوجهات هي الأن قيد التنفيذ في أنحاء مختلفة من العالم، وتهدف إلى ابتكار حلول جديدة لترشيد الاستهلاك مثل تطوير المدن الذكية ، الشبكات الذكية ، المباني الذكية . كما تقترح وسائل إدارة وتحكم جديدة مثل التحكم عن بعد ، استعمال تطبيقات الإنترنت، استعمال البيانات الضخمة (Big Data). لكن هذه التوجهات ذات التقنيات يصعب فهمها على الإنسان العادي فماذا عن استعمالها، فهي تحتاج إلى تحقيق تقبل المجتمع لها أولاً . لأنها تصطدم بمشكلة صعوبة تعلمها، والتحكم فيها، والاعتياد والتدريب عليها . الأمر الذي دفع إلى الإنتباه لتأثير ودور التقبل الاجتماعي لمشروعات التحول في الطاقة . استعمال التقنيات الرقمية المختلفة في المباني يجب أن يؤخذ في الإعتبار عند تصميمها فهي لا تؤثر فقط على العاملين في مجال البناء ولكنها تؤثر كذلك على أسلوب حياة سكان ومستعمليها وبالتالي الجوانب السياسية والإقتصادية والثقافية في المجتمع ككل . فليس فقط بسن الأنظمة والقوانين الخاصة بالتحول في الطاقة سيتم تقبلها واستعمالها من قبل المجتمع . وهنا يأتي دور المصمم المعماري ليضع التصورات لمباني ذات أساليب حياة جديدة تتبنى التحول في الطاقة وتكون في نفس الوقت مقبولة من المجتمع، من حيث أساليب التزود بالطاقة في المباني، والتحكم في حرارتها الداخلية، وتأمين تهويتها وإضاءتها طوال اليوم. كما يجب الإهتمام بتقديم المشورة لاختيار التجهيزات والآلات المناسبة لها، والمناسبة لأساليب حياة السكان والمستعملين .
المشاريع التي يستعرضها العدد :
يستعرض العدد ٦ مشاريع معظمها مازالت دراسات وذلك لأن مفهوم صفر كربون في المباني لم يظهر بقوة على الساحة إلا بعد عام ٢٠١٥، وإتفاق مؤتمر باريس للمناخ وحتى سمعنا مؤخراً توجه المكاتب المعمارية المعمارية بالإلتزام بهذا المفهوم في كل تصاميمها المستقبلية (مثل مكتب Foster & Partners). الأربعة مشاريع الأولى منها هي مشاريع حصلت على جوائز شبكة المدن الكبرى المقاومة للأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية (C40 ) التي نظمت في عام ٢٠١٨ مسابقةعالمية ضمت ١٤ مدينة حول العالم لتطوير ٣١ موقعاً بهدف تشجيع الحد من انبعاثات الكربون والإحياء المرن للبيئة المبنية ، وتطوير الأراضي الفضاء الغير مستفاد منها إلى مشاريع عمرانية مستدامة ومرنة . فمشروع مركز الأبحاثات Vitae في ميلانو الذي صممه مكتب Carlo Ratti Associati هو مشروع يتبنى توجه الميول البشري لحب الطبيعة Biophilia، هو توجه يدفع إلى إعادة دمج الطبيعة داخل البيئة المبنية وكعنصر طبيعي مقاوم لانبعاثات الكربون. يقدم التصميم حلاً بإيجاد مزرعة للعنب تعتمد على نظام الزراعة المائية (Hydroponic Cultivation) فوق سطح المبنى وتصميمه على شكل شرفات متدرجة متدرج يتم الزراعة عليها، ويمكن صعود الزوار فوق هذا السطح من مستوى الشارع وبلوغ أعلى المبنى ومرور بعدد من الفعاليات. أما مشروع تطوير حي Inesto في مدينة ميلانو، هو مخطط سكني اجتماعي لإحياء منطقة تتبع للسكك الحديدية. المخطط ليس فقط مخطط سكني ولكنه مخطط يتمتع بمساحة خضراء واسعة تبلغ نسبتها ٧٦٪ من الأرض ويقترح أسلوب حياتي جديد يعتمد على استعمال التطبيقات الرقمية في إدارته ومواكبة سكانه لاستعمالها في خدماته بطريقة ميسرة لمدة ٣٠ عاماً، كما يعتمد نظم إنشاء مصنعة وتقنيات ومواد بناء مستدامة، وبحيث يمثل المشروع مثالاً للاقتصاد الدائري والاستدامة والابتكارات، بما في ذلك تحقيق استراتيجية صفر كربون للمدينة. المشروعان الثالث والرابع الفائزة بجوائز شبكة المدن الكبرى ، هي من تصميم مكتب (Jakob + MacFarlane) والذي استعمل مادة الخشب لبناء الهيكل الإنشائي فيها الذي يمكن إما تفكيكه وبناؤه في موقع آخر أو إعادة تدويره ويمثل هذا الحل تطوراً في صناعة الهايكل الإنشائية التي تبنى من الخرسانة والتي يصعب هدمها خاصة في حالة المباني المرتفعة والأبراج . بالإضافة إلى أن الخشب مادة طبيعية لا تنتج انبعاثات عند تصنيعها ولا بعد تركيبها .كما أن مادة الخشب مادة محلية متوفرة بالقرب من مواقع هذه المشاريع بحيث لا يضيف نقلها عباءً بيئياً. المشروع الخامس وهو مقر لشركة لصناعة الكيماويات من تصميم مكتب (Schmidt Hammer Lassen Architects) ويقع في بلجيكا هو مشروع يتميز بأنه ملك لشركة ملتزمة متقبلة بكفاءة الطاقة والحد من انبعاثات الكربون في كافة أنشطتها الأمر الذي سهل مهمة المصمم في العمل على تحقيق مبنى يركز على الجوانب الخضراء فالإطلالة الخارجية وجهت فيه للحدائق والمساحات الخضراء التى يوفرها التصميم حول المبنى والتي تساهم بشكل كبير في الحد من انبعاثات الكربون من خلال زيادة الرقعة الخضراء في البيئة المبنية.
المشروع السادس والأخير هو مشروع هام جداً فهو يأوي مركز جامعة هارفرد للمباني والمدن الخضراء .وهو من تصميم مكتب (Snohetta) وهو مسكن قديم ذو طابع كلاسيكي غربي تم إعادة تأهيله ليكون أنموذجاً لإعادة تأهيل المباني القائمة التي لم تطبق فيها أي استراتيجية نحو صفر كربون يستعمل المبنى أنظمة مراقبة وتحكم في التهوية والإضاءة الطبيعية ومواد تختزن الكربون من مواد طبيعية ويوفر حماية من أشعة الشمس في الصيف ويسمح بها في الشتاء بالإضافة إلى أنه سيكون مبنى يسمح بإجراء الأبحاث وجمع المعلومات لصالح مركز المباني والمدن الخضراء من خلال تطبيق نظام مراقبة وتحكم في كافة أجهزته وعناصر المبنى كما يستعمل تأهيل المبنى مواد البناء الطبيعية والمعاد استعمالها .
إضافة تعليق جديد