إلى أي مدى ستغير عوامل مثل استعمال التقنيات الرقمية الحديثة أو التحولات المناخية أو الذكاء الإصطناعي بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لتحسين بيئة العمل من سوق المباني المكتبية في المستقبل ؟
في إطار دراسة عقارية لمستقبل المباني المكتبية قامت مؤخرًا شركة Colliers International بتصور ٥ سيناريوهات مختلفة للتحولات المتوقعة المؤثرة على المباني المكتبية المستقبلية، وكلها تحولات توثر على إستراتيجيات وقرارات تنظيم العمل في المؤسسات العامة والخاصة ، تؤثر على إختيار موقع المؤسسة أو تحديد حجم ونوعية المساحات المكتبية …
من أهم التحولات المستقبلية التي سوف تؤثر على العمل والمباني المكتبية :
–سرعة التحول في طرق العمل المكتبي :
في الماضي كانت الاحتياجات والمتطلبات للمباني المكتبية تحدد لمدد زمنية تتراوح بين ١٠ إلى ٢٠ عام ، اليوم ونتيجة لسرعة التطورات الإقتصادية والتقنية انعكس ذلك على طرق العمل المكتبي مثل استعمال الحاسب المحمول الذي انتشر بشكل سريع بحيث يمكن العمل دون التقيد بمقر العمل . مما أدى إلى البحث عن طرق جديدة لإدارة الوقت والعمل وحركة الموظفين و التنسيق والتواصل بين الموظفين وبعضهم البعض داخل فريق العمل الواحد .
–زيادة الوعي لدي المستهلك :
اليوم أصبح المستهلك أكثر وعي من ذي قبل بمضار المنتجات أو الخدمات عليه وعلى صحته وعلى البيئة بشكل عام . الأمر الذي أصبح على المؤسسات الإهتمام أكثر بأعمالها من حيث الدقة والشفافية والمصداقية . مما يستدعي زيادة اللجوء إلى القنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لرفع نوعية المنتجات وسرعة إنجازها وخفض سعر بيعها .
–عدم وضوح الرؤية بالنسبة للتخصصات والوظائف التي يحتاجها سوق العمل :
سرعة انتشار التقنيات الرقمية وأتمتة الأعمال قد تؤثر سلبًا على سوق العمل حيث أنها سوف تدفع المؤسسات إلى التغلي عن عدد كبير من الموظفين .
التحولات المناخية سوف يكون لها تأثير على إتجاهات وتطور الاقتصاد والذي بدوره سوف يؤثر على قدرة المؤسسات على تحديد احتياجاتها من الموظفين .
في عام ٢٠١٧ قامت شركة ماكنزي بإعداد دراسة حول سوق العمل توضح أن حوالي ٨٥ ٪ من التخصصات التي سوف يحتاجها سوق العمل بدءًا من عام ٢٠٣٠ يجب ابتكارها .
الإتجاهات التي يمكن أن تأخذها التحولات المستقبلية :
توضح الدراسة كذلك أن سوق المباني والمساحات المكتبية سيتأثر بالإتجهات الذي سوف تأخذها هذه التحولات ، حيث تدعو المؤسسات إلى توسيع أفاق البحث عن الحلول من خلال متابعة مدي تطور آتمتة العمل المكتبي وإنتشار العمل المكتبي الغير مرتبط بمقرات المؤسسات وتطور طرق العمل الحديثة مثل انتشار أماكن العمل المشتركة . إن هذه الطرق العديدة للعمل المكتبي سوف تدفع إلى إعادة النظر في قيمة وحجم والدور العملي للمقر المكتبي للمؤسسة ، كما سوف تعيد النظر في قيمة الوحدة المكتبية ونوعية تجهيزاته ونوع وحجم الفراغات المكتبية ومدى احتياج المؤسسة لها زمنيًا ومكانيًا . هل ستتوجه المؤسسات إلى تقسيم مقرها إلى مساحات صغيرة وتوزيعها على مواقع مختلفة في المدينة بحيث تكون قريبة من مساكن موظفيها ولتقليل مدد الرحلات اليومية بين السكن والعمل ؟ أو جمعها في مراكز أعمال ذات تجهيزات تقنية عالية وذات فراغات عمل ذات نوعية عالية من الخدمات والراحة ؟ كما سوف يعتمد ذلك على الصورة التي تريد أن تظهر بها كل مؤسسة – من خلال مكاتبها – أمام عملائها.
٥ سيناريوهات للإتجاهات المستقبلية للمساحات والمباني المكتبية :
تقدم الدراسة ٥سيناريوهات للإحتمالات المختلفة لتوجهات التحولات المستقبلية :
سيناريو ١ : لا تقوم المؤسسات بإحداث تغييرات في طرق عملها . وهذا السيناريو مستبعد حدوثه نتيجة لتوافق وإجماع الدراسات على قرب حدوث تغيير جذري في طرق العمل نتيجة للمؤشرات التي تؤكد على تأثير التحولات التقنيات الرقمية والتحولات المناخية على سوق وطرق العمل . ولما يمكن أن يحدثه عدم التطوير من سلبيات على سكان المدن وتفشى البطالة وإختلال عمران المدن وزيادة حركة النقل داخلها .
سيناريو ٢ : إهتمام الحكومات والمؤسسات والمواطنين بالشأن البيئي واصطفافهم لمواجهة التحولات المناخية والمحافظة على البيئة . مما سيدفع المؤسسات إلى العمل بدورها على تحقيق بيئة عمل عالية بالنسبة لموظفيها مما سيرفع من إنتاجية العمل . وفي هذه الحالة سيرتد ذلك على المباني المكتبية من حيث تطبيق أنظمة بناء بيئية علي المباني المكتبية وكذلك على المخططات المحلية والعامة للمدن والمناطق مثل تقليل رحلات النقل العمل / السكن / الأسواق / الترفيه ، تخطيط وتنفيذ أحياء تحافظ على البيئة ، مرونة المباني لتصبح قابلة لتغيير وظيفتها ( مكتبي / سكني / تجارى … ) وتأثير ذلك على رفع قيمة وتكلفة المباني والإستثمارات العقارية . استخدام التقنيات الرقمية الحديثة مثل نمذجة معلومات البناء ( BIM ) التي ستساعد على رفع مستوى أداء المباني المكتبية بيئيًا واقتصاديًا ومستوي جودة الحياة فيها . كما سيدفع تطبيق الأنظمة البيئية إلى استحداث تصاميم جديدة للمباني المكتبية متقدمة ومختلفة تمامًا عن المباني الحالية التى لم يتم إعادة تأهيلها من جديد لتواكب التحولات البيئية والرقمية .
سيناريو ٣ : إهتمام وتفضيل السكان ( الموظفين ) للعيش في مدن ذات جودة حياة عالية . وهذا يعني هجرتهم من المدن ذات الحياة السلبية ( الإزدحام السكاني والمروري ، التلوث البيئي … ) مما يدفع المؤسسات إلى إتباع الموظفين إلى تلك المناطق والمدن المميزة بطريقة أو بأخري ، وسوف يؤثر ذلك على المباني المكتبية خاصة على تأهيل الحالية منها وبناء الجديد منها ، فالمؤسسات التي ستحاول إتباع موظيفها جغرافيًا يجب أن تؤمن وسائل تواصل قوية بينها وبين موظفيها الأمر الذي ستحدده توفير مستويات تغطية أنترنت عالية ( 5G مثلًا ) في المدن ، كما سيكون ذلك على حساب المباني المكتبية الحالية التى ستصبح شاغرة ، نتيجة لعدم توفرتغطية إنترنت عالية أو نتيجة لهجرة المؤسسات وموظفيها إلى مدن أخرى، وهنا ستظهر قيمة المباني ذات المرونة العالية في مواكبة المتغيرات في سوق المباني المكتبية .
سيناريو ٤ : إتخاذ الدول قرارات حاسمة وصارمة للتوجهات الحديثة :، مقاومة التحولات المناخية ، المحافظة على البيئة ، استخدام الرقمية بطريقة مكثفة ، الاستعانة بالذكاء الاصطناعي ، تغطية إنترنت عالية … مما سيوجد هوة كبيرة بين مراكز الأعمال في المدن المجهزة بتقنيات عالية ووسائل نقل صديقة للبيئة ، وبين المدن ذات التجهيزات التقليدية . في هذه المراكز سينتشر استعمال المؤسسات للذكاء الاصطناعي مما سيوجد بطالة عالية . كما سيؤثر ذلك سلبًاعلى علاقة الموظفين بالمؤسسات
حيث ستبحث هذه الأخيرة على الضغط على إنتاجية موظفيها و ستتميز معاملة الأكثر إنتاجًا منهم عن الأخرين ، وذلك بحثًا غن زيادة دخلها للبقاء في مراكز الأعمال العالية التقنية . القرارات التي ستتخذها الدول ستتضمن تطبيق أنظمة بيئية ومستدامة على المباني واستحداث تصاميم جديدة للمباني المكتبية متقدمة ذات مرونة عالية ومختلفة تمامًا عن المباني الحالية التى لم يتم إعادة تأهيلها من جديد لتواكب التحولات البيئية والرقمية والأقتصادية ، وتأثير ذلك على رفع قيمة وتكلفة المباني والإستثمارات العقارية .
سيناريو ٥ : تقبل سكان المدن للتحولات التقنية واعتمادهم كليًا عليها الأمر الذي سيدفع بالباحثين عن العمل نتيجة لإعتماد المؤسسات على الذكاء الاصطناعي إلى العمل الحر وتشكيل مؤسسات صغيرة ومتوسطة تقدم خدماتها للمؤسسات الكبرى ، بالاعتماد على منصات العمل المشترك الرقمية وستظهر طرق عمل حديثة ذات مشاركة تجمع بين العمل والسكن . ونتيجة إلى هذه التحولات سيرتد ذلك على المباني المكتبية من زيادة الطلب علي المساحات المكتبية الصغيرة التي تتناسب مع حجم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونتيجة إلى إعتماد سكان المدن على التقنيات الرقمية ستنتشر تجهيزات المباني الذكية في المباني المكتبية الحالية والجديدة . كما ستدفع طرق العمل اوالسكن المشترك إلى ظهور تصاميم جديدة للمباني المكتبية ذات مساحات مكتبية ووظائف مختلفة تخدم فكرة العمل المشترك .
إضافة تعليق جديد