Architecture Trends Today
إعداد : م . إبراهيم أبا الخيل
تكتسي المرحلة التي يمر بها التصميم المعماري اليوم وعلى مستوى العالم بصفات تجعل العمل المعماري أكثر صعوبة من كل ما مضى من قبل والسبب يرجع إلى ظهور تحولات كونية جديدة هي :
– الزيادة السكانية العالمية وتمركزها في المدن : وقد أدى ذلك إلى الحاجة إلى تصور مدن وأحياء جديدة تعالج مشاكل الكثافة السكانية العالية وتمدد المدن .
– نضوب الموارد الطبيعية : وقد أدى ذلك إلى إرتفاع أسعار الطاقة والحاجة إلى إعادة النظر في التوفير في استهلاك الطاقة في المباني وأساليب ومواد البناء بحيث يمكن إعادة إستعمالها من جديد في البناء .
– التحول المناخي : يعتبر التحول المناخي من أهم المشاكل التي يواجهها الكون اليوم وتسببه في إرتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لإعتماد الإقتصاد العالمي على الإنتاج الصناعي وإستعمال الوقود الأحفوري الذي نتج عنهما إرتفاع معدل الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، وقد دفع ذلك إلى التحول من الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري إلى إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح وغيرها، الأمر الذي دفع إلى إعادة النظر في تصميم المباني لتزويدها بالطاقات النظيفة .
– الثورة الرقمية : نحن نعيش اليوم في مرحلة غير محددة الملامح لأنها مرحلة تحول من العصر الصناعي إلى العصر الرقمي . لكن ما هو هذا العصر الرقمي وما هو تأثيره على الحضارة الإنسانية وبالتالي على التصميم المعماري
فالتحولات التي أحدثتها الثورة الرقمية في مجال البناء كثيرة ومتشعبة وما زلنا نكتشف كل يوم تحول جديد فكل تحول يحدث يعقبه تحول آخر وانفتاح على مجال جديد. هل سيستقر التحول الرقمي للتصميم المعماري والبناء يوما ما ؟ وهل يمكن التنبوء باستقراره عند حد معين في المستقبل ؟
كلها أسئلة لا يمكن الرد عليها اليوم بشكل قاطع.
لقد تزامن استخدام الرقمية في العمارة مع ظهور مباديء حياتية جديدة للمحافظة على البيئة، كأن للرقمية دور مهم في الاستجابة لها على مستوى التصميم المعماري وإنشاء المباني وتحقيق تقدم ملحوظ في دراسة وتصميم البيئة المبنية ووضع خارطة طريق لحلول المشاكل التي تواجهها.
الأمر الذي دفع إلى حدوث تحول في ممارسة التصميم المعماري ، فالرقمية لم تتدخل فقط في إنتاج مخططات المباني ورسمها وإجراء التعديلات عليها بل تعدت ذلك إلى المساعدة في تحقيق الأفكار المعمارية التي لم يكن في مقدور أدوات التصميم التقليدية تحقيقها. ولكن ليس فقط في مجال التصميم بل كذلك في مجال إنشاء المباني ( نمذجة معلومات البناء ) ثم على مستوى المدينة وإدارة المباني وتحقيق الأمن والراحة والتوفير في الطاقة ( المدن والمباني الذكية ) .
كيف كانت ردة فعل المعماريين على هذه التحولات هل تأثرت بها أعمالهم بنفس القدر من هذه التحولات وكيف تعامل كل معماري معها من فكره وتناوله الفني الخاص به وماهي أهم التوجهات المعمارية التي إنبثقت من هذه التحولات وهذا ما نحاول أن نستخلصه في هذا المقال من خلال بعض الأعمال المعمارية الجديدة لأكبر مكاتب التصميم في أنحاء العالم .
المشروعات التى يستعرضها العدد :
نستعرض في هذا العدد ٥ مشروعات معظمها من تصميم مكاتب عالمية تمثل ٥ توجهات معمارية جديدة أو معاصرة .
المشروع الأول : هو مركز ثقافي للشباب في الصين من تصميم مكتب Zaha Hadid Architects يتكون المشروع من قاعدة بنائية تحتوي على مركز ثقافى يضم قاعات للعروض والمحاضرات ويرتفع من القاعدة برجان يحتويان على مساحات مكتبية وفندقية وترتبط الكتل الثلاث بالقاعدة والبرجان في قطعة فنية تجمع بينها. يمثل هذا المشروع توجه مكتب زها حديد الذي تبناه منذ بداية القرن الواحد والعشرين ، عندما بدأت المكاتب المعمارية الكبيرة تنشيء داخلها أقسام خاصة بالحاسب الآلي ، بهدف تطوير استخدام الحاسب في تصاميمها من كونه أداة في الرسم ليصبح أداة في التصميم . واستطاع مكتب زها حديد من خلال مجهودات المعماري والخبير في الحاسب مايكل شوماخر تطوير هذا التصميم الرقمي ليصبح الحاسب أداة التشكيل الفني للمباني ، ليعتمد عليه المكتب في كل إنتاجه المعماري بعد ذلك ، من خلال استخدام التصميم البرامتري الذي يتحكم في محيط الكتل البنائية ليجعلها تأخذ أي شكل يريده المصمم وليجعل هذه الأشكال قابلة للتصميم الإنشائي مهما كان تعقيد الشكل الذي سيتبناه التصميم . المباني التي ينتجها هذا التوجه – الذي تبنته بعد ذلك مكاتب أخرى – يقدم تشكيلات لم يكن ممكن تصور إنتاجها من ذي قبل فالمباني تظهر وكأنها قطعًا فنية نحتت بخطوط منحنية تجتمع وتتواصل فيها الكتل البنائية والفراغات الداخلية فيما بينها في سيولة فضائية حرة .
وكما تبنى مكتب زها حديد هذا التوجه كذلك تبنى استعمال الحاسب في تطوير وتنسيق التصاميم المختلفة من خلال برنامج نمذجة معلومات البناء خاصة وأن الأشكال المعمارية التي ينتجها هذا المكتب تحمل من التعقيد ما يجعل استعمال النمذجة أمرًا لا غنى عنه في تنفيذ المشروعات .
المشروع الثاني : هو مبني مكتبي للشركة طاقة يهدف تصميمه إنتاج الطاقة التي يحتاجها المبنى ذاتيًا، وهو من تصميم مكتب Snohetta . يتكون المبنى من مساحات مكتبية للإيجار لمختلف الشركات التجارية، ويهدف التصميم إلى أن يأخذ المبنى أقصى شكل يسمح بإكتساب أكبر قسط من الأشعة الشمسية، فالسطح العلوي المغطى تمامًا بالألواح الشمسية يميل نحو الجنوب بدرجة تسمح له بتلقي أكبر قدر من أشعة الشمس . المبنى لا ينتج فقط الطاقة اللازمة لتشغيله بل يفوق إنتاجه عن حاجة المبنى ليغذي بالطاقة الإضافية شبكة تغذية النقل العام في منطقته . يبلغ مجموع ما ينتجه هذا المبنى من الطاقة النظيفة والمتجددة حوالي 500،000 ك/واط سنويًا بحيث يمكن الإعتماد على المبنى كمحطة توليد طاقة صغيرة في منطقته . وبالإضافة إلى توفير الطاقة يحتوي المشروع على عدد من معايير الاستدامة التى مكنت من حصول هذا المشروع على أعلى شهادة بيئية من مكتب Breeam الأوروبي . يحمل تصميم هذا المشروع توجه مكتب سنوهيتا الذي يتميز به . فهو يرى أن قطاع الطاقة وصناعة البناء ينتج 40 ٪ من انبعاثات الكربون ونتيجة إلى زيادة عدد سكان المدن والتحولات المناخية التي تتنامى أضرارها على البيئة المبنية فإن تصميم المباني يجب أن يكون مسؤلًا عن بناء مباني ذات نوعية معمارية عالية وفي نفس الوقت تكون مباني إيجابية ذات بصمة كربونية منخفضة .
المشروع الثالث : هو مشروع مكتبي من تصميم مكتب
BVF Architectes . يحمل تصميم المشروع توجه بدء يظهر واضحًا في ساحة البناء وهو تشيد عناصر المباني المختلفة بمواد صديقة للبيئية لا ينتج عن صناعتها انبعاثات كربون، كما هو الحال بالنسبة لمعظم مواد البناء المصنعة . الجديد هنا هو أنه كان من السهل تغير معظم مواد البناء المصنعة بمواد صديقة للبيئة، إلا أن الهياكل الإنشائية للمباني الذي تستعمل الخرسانة المسلحة والحديد وهي مواد يؤدي تصنيعها إلى إنبعاثات كربونية عالية ولذلك بقيت الهياكل الإنشائية مستعصية على معايير الاستدامة حتى تمكن المهندسون من إستعمال الخشب في هياكل المبانية العالية فالخشب مادة طبيعية لا تصدر عنها انبعاثات كربونية بل هي تمتص الكربون . يأتي الخشب هنا على هيئة أعمدة وكمرات والأواح من مادة Cross Laminated Timber أو ( CLT) وهي عبارة عن ألواح من الخشب المصنع التي تلصق وتضغط فيما بينها لتكسب منتجاتها صلابة وقوة تحمل عالية .
المشروع الرابع : هو برج سكني في الكويت من تصميم مكتب OMA . لقد تميزت تصاميم مكتب أوما بتركيزها على إعادة النظر في الصياغة المعمارية للمباني المختلفة وتقديمها بأسلوب وأشكال فضائية جديدة تتناسب مع التحولات المختلفة الجديدة ( متحف كونستال ، مكتبة سياتل ، أبراج دي روتردام ) تصميم هذا البرج يعيد فكرة صياغة الأبراج وهي مباني ذات كتل معمارية ضخمة تؤثر سلبًا على محيطها بصريًا، وكانت عادة ما تخدم وظيفة واحدة. كما أنها مباني ذات هياكل إنشائية يصعب هدمها ولذلك هي مباني تشيد لتبقى وهذا يعنى أنها يجب أن تكون مرنة قابلة للتغيير الداخلي للتلائم مع الاستعمالات الوظيفية المختلفة وأن يتم تغيرمظهرها بصريًا وتجزئة كتلتها الضخمة إلى كتل أصغر . وهذا ما حدث لهذا البرج السكني .
المشروع الخامس : هو مبنى فندقي في المكسيك من تصميم مكتب Sordo Madaleno Arquitectos التصميم يؤكد على أنه بالرغم من كل التحولات الجديدة إلا إن الفن المعماري الأصيل الذي كان تبنى إندماجه مع بيئته وموقعه مازال توجه قائم وقادر عى إنتاجه مبانى تصلح لكل العصور .
إضافة تعليق جديد