مفهوم الاستدامة جاء في مرحلة معمارية كان قد تخلص فيها التصميم المعماري المحلي من هيمنة وطغيان العمارة الغربية التي كانت قد غزت أنحاء العالم في الستينيات الميلادية ، وأدت الي عدم احترام الثقافات والتقاليد والبيئات المحلية .
فظهر مثلًا مفهوم الشفافية واستعمال الواجهات الزجاجية في المباني بحجة ربط الداخل بالخارج ، مع انها تؤدي إلى انتفاء مفهوم هام هو الخصوصية التي تحترم حرية الأشخاص . ليس فقد ذلك بل لم تحترم العمارة الغربية الخصوصيات البيئية لكل منطقة ، وأدت إلى الاعتماد بشكل رئيس على التكييف والتدفئة وزيادة استهلاك الطاقة وإهدارها وتشكيل عبء اقتصادي على السكان في أنحاء مختلفة من العالم .
قاومت الكثير من دول العالم هذا الغزو الغربي من خلال التمسك بالتراث والتقاليد. وكانت المملكة العربية السعودية في طليعة هذه الدول التي قاومت هذا الغزو بتقديم مباني بطابع مستلهم من التراث ويحترم التقاليد وخاصة في مدينة الرياض التي ظهر فيها ذلك الطابع العمراني المميز والذي عرف بعد ذلك بالطابع السلماني نسبة إلى اميرها أنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله والذي قاد ودافع عن هذا التوجه العمراني للمحافظة على التراث واحترام التقاليد في مدينة الرياض والذي إحتذت به باقي مناطق المملكة،
ولقد خصص مؤخرًا معرضًا رائعًا يخلد جهود خادم الحرمين يحفظه الله للمحافظة على الطابع العمراني المحلي للرياض والذي تأثرت به كافة مناطق المملكة .
ثم جاء مفهوم الاستدامة لكي يعالج الكثير من هذه تجاوزات العمارة الغربية وخاصة البيئية ، لكنه مع الأسف هو كذلك مفهوم غربي يعزز مرة أخرى من هيمنة العمارة الغربية على العالم ، وإن كان يعالج المشاكل البيئة والاقتصادية الا انه لا يحترم الجوانب الاجتماعية والثقافية المحلية ، وإن كان يتبناها في العلن .
واذكر هنا موقف لن أنساه عندما كنت ازور مدينة مصدر مع وفد من الصحفيين ، ومدينة مصدر تعتبر المدينة الأنموذج الأول في العالم التي تم تصميمها كليًا بمعايير الاستدامة، ولكي تحقق ما يعرف بالصفر كربون . فبعد ان زار الوفد الحي القائم أنذاك وتجاولوا فيه، اجمع الوفد على ان تصميم الحي مستلهم تمامًا من الطابع العمراني للأحياء التقليدية في منطقة الخليج بطرقها الضيقة ومبانيها المتقاربة ، إلا أن المهندس المصاحب للوفد من قبل إدارة المدينة والعضو في تصميمها بدا غاضبًا واعترض بشدة وأصر على ان الحي هو نتيجة لدراسة علمية لا تمت لأي طابع . وإن كان هذا صحيح أم لا، فإن هذا يعني ان الجوانب المحلية ليس لها مكان في مفهوم الاستدامة.
ولما كان دور الفن المعماري هو التعبير عن الفنون والثقافة والهوية المحلية بحيث انك اذا شاهدت مبنى ما تستطيع ان تعرف اين يقع فإن الاستدامة الغربية – وإن يحق لي تعريفها هكذا- بأساليب تعاطيها اليوم لا تعمل في هذا الإتجاه مع الآسف!!
إضافة تعليق جديد