رغم كل ما يقال عن سوق البناء وما إذاكان في حالة انتعاش أم فتور ، فإن المشكلة لا تكمن في انتعاشه من عدمه ، بل تكمن في مدى تجاوبه مع التطورات التقنية وتلبيته لمتطلبات المجتمع . على مدى ٥٠ عامًا مضت وأنا أتابع سوق البناء في منطقتنا ومدى استجابتها لهذه المتطلبات .
سوق البناء في منطقتنا هي سوق مستوردة للتقنية الغربية عندما يكون اصحاب المشاريع قادرين على تحمل تكلفتها العالية، وإلا فإن التوجه يكون شرقًا إلى آسيا والصين ، أما بالنسبة للتقنية المحلية فتكاد تكون معدومة تمامًا .
إن الكثير من أنظمة ومواد البناء المستوردة والتي أصبحت هي تمثل تقنية البناء المحلية ، وعلى الرغم من مرور سنين طويلة على استعمالها تحمل نقاط ضعف تقنية ، إلا أننا نستعملها مرغمين لعدم وجود بديل نستورده يناسب متطلباتنا.
في كثير من الأحيان قد لا تحقق التطور المطلوب مادام البحث والتطوير غائبين ، إن متابعتي لسوق البناء تطلبت زيارة العديد من معارض البناء السنوية في الخارج والداخل، بدافع التعرف على الجديد . وبعد مرور أعوامًا طويلة بدأت أمل من هذه المعارض فلقد تبين لي أن الكثير من هذه التطويرات وليس كلها، كانت بدافع تسويقي ، وهذا أمر بديهي فالشركات والمصانع لا يمكن أن تطور طرق ومواد بناء بطريقة سنوية ولكنها تلجأ إلى تطويرات شكلية لتظهرمدي قدرتها واستجابتها للتطوير وتلبية متطلبات المجتمع .
من الملاحظ كذلك أنه في أحيان أخرى قد يتعاون أصحاب النشاط الواحد( مصنعي الطوب أو الخرسانة، أو… ) لعمل مجموعة بهدف تطوير تقنياتهم الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة عائدتهم لكن سرعان ما يتحول هذا التعاون إلى زيادة العائد ويهمل التطوير.
إن ما يحدث من تغيير شامل في مفهوم طرق ومواد البناء لتطبيق معايير الاستدامة والحد من الكربون وهو ما يحدث الآن على مستوى العالم سيرفع من تكاليف البناء بطريقة جذرية مما سيصعب على الدول المستوردة الحصول على هذه الطرق والمواد المستحدثة،بل حتى إذا تمكنت هذه الدول من تحمل تكليفها فإنه لن نضمن تلبيتها لمتطلباتنا.
إن فكرة الاعتماد على أن السوق يمكن أن يطور نفسه بنفسه نتيجة للعرض والطلب ، في كثير من الأحيان قد لا تحقق التطور المطلوب خاصة مع فتور أسواق البناء . ولذلك يجب أن يتم هذا التطوير بعيدًا عن تقلبات الأسواق .
المشاكل التقنية وعدم قدرة السوق على مالتي يعاني منها مادام البحث والتطوير غائبين فلن تكون هناك نتائج إيجابية كبيرة فمهما تطورت كودات البناء ومهما حاولنا تجنب الأخطاء الخفية فأن ذلك لن يعوض حاجتنا الماسة للبحث والتطوير في مجال البناء .
الناشر ورئيس التحرير
إضافة تعليق جديد