إذا كان عمل مكاتب التصميم المعماري ينقسم إلى المهام الرئيسة التالية : التصميم ، والإشراف على المباني ، والتسويق ، والإدارة ، والبحوث ( وهي مهمة اضيفت مؤخرًا لتمكن المكاتب بالمشاركة في استشراف مستقبل المدن والمباني ). وإذا كانت كل هذه المهام ضرورية ولاغنى عنها إلا أن مهمة التصميم أهمها ، حيث ينفرد التصميم بالموهبة الفنية التي هي هبة من الخالق لا يمكن للتعليم والخبرة،مهما ارتفع مستواها إوطالت ـ أن تهبها إلا أنها يمكن أن تصقلها وتبرزها . لذلك كانت الموهبة الفنية هي المحور الرئيس الذي يعتمد عليه قيام مكاتب التصميم المعماري ، وهي التي يركز عليها تقييم أعمال تلك المكاتب أو هكذا يجب أن يكون الحال . أما المهام الآخري فيمكن أن يكتسبها أي مكتب بشكل أو بآخر بالتعليم والخبرة .
الموهبة الفنية في تصميم المباني هي التي تميز مكتب عن آخر ، ومبنى عن آخر ، وربما مدينة عن آخري فهناك مدن في العالم أصبحت تعرف بجمالها وجمال مبانيها الأمر الذي ينعكس على نجاح هذه المدن بطريقة غير مباشرة في تحقيق تميز وقيمة حياتية ومادية تجذب الزائرين والسواح إليها بل وكبريات الشركات العالمية التي تفضل أن تكون لها مقارات فيها، الأمر الذي يشجع كذلك على تطور الأنشطة التجارية والترفيهية.
ولكن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالأخذ بالأسباب التي تحقق ذلك ، ففي كل المجتمعات سواء الواعية والغير واعية بشئون التصميم لا يمكن التعرف على نوعية مكاتب التصميم إلا من خلال التقييم المتخصص العادل والواعي لها ، فإذا أخفق التقييم أو أهمل فإن ذلك يؤدي إلي تضليل أصحاب المشاريع في إختيار المكتب المناسب لمهمة التصميم وربما فقدان المدن لجمال مبانيها .
ففي كثير من الأحيان تهمل الجهات القائمة على التصنيف تقييم موهبة التصميم التي عادة ما تهتم بالتصنيف الكمي لا النوعي. وأقصد بالتصنيف الكمي : عمر المكتب ، وعدد مهندسيه ، وعدد المشاريع ، والمقدرة المالية ، الخ…، وأقصد بالتصنيف النوعي الموهبة وجودة التصميم .
ولعل إخفاقات التصنيف الهامة تكمن في إغفال تقييم الموهبة الفنية وجودة التصميم لأصحاب المكاتب انفسهم ، فقد يعتمد بعض أصحاب مكاتب التصميم على مهندسين آخرين في التصميم ، وما أن تنتهي خدمات هؤلاء حتى يفقد المكتب قدراته التصميمية التي كان يعرف بها . وربما تتضح ضرورة الإهتمام بالموهبة الفنية وجودة التصميم عندأصحاب المكاتب أنفسهم ، عندمًا تشح المشاريع وينخفض دخل المكاتب بحيث لا تستطيع المكاتب الإبقاء على مهندسيها ، ومايبقى للمكاتب إلا الاعتماد على أصحابها في التصميم .
وإذا كان توفر الموهبة الفنية ضروري لتصميم مباني جميلة وتحقيق مدن جميلة فإن ذلك يعني أنه ليس بمجرد أن يحصل أي مكتب على ترخيص لمزوالة مهنة التصميم سوف تكون لديه تلك الموهبة الفنية، فالموهبة الفنية يجب أن يفتح لها المجال لكي تكتشف ، وهذا أمر يمكن الحصول عليه بتلزيم تصاميم المشاريع من خلال المسابقات المعمارية العادلة التي أصبحت هي الطريقة الأكثر شيوعًا لاكتشاف المواهب الفنية ، بل يمكن القول أن البحث عن الموهبة الفنية أصبح أمرًا ضروريًا لتطوير التصميم المعماري في أي مكان من العالم ، فمكاتب مثل مكتب زها حديد أومكتب بيج أوحتي مكتب فوستر مثلًا، وهي بالنسبة للمطلعين على الشؤون المعمارية تعتبر من أكبر المكاتب العالمية التي طورت التصميم المعماري في العالم، وهي لم تظهر على الساحة المعمارية إلا من خلال المشاركة في المسابقات المعمارية .
رئيس التحرير
إضافة تعليق جديد