لسنين طويلة كانت أماكن العمل المكتبي منصرفة عن الاهتمام بزيادة انتاج العاملين ، بل على العكس كان التعامل مع هذه الأماكن يضر بالانتاج ، في كثير من الأحيان كان الهدف التوفير في المساحات المكتبية وتأثيثها من خلال ازالة الفواصل بين المواظفين وفتح الفراغات المكتبية على بعضها البعض وتسكين أكبر عدد من الوحدات المكتبية فيها، الأمر الذي أدى إلى صعوبة تركيز العاملين في العمل نتيجة للضوضاء والكثافة العددية للموظفين ، بينما كان كبار الموظفين في مكاتب رحبة ومداخل خاصة بهم وتقدم لهم خدمات لا تتوفر لباقي الموظفين، الأمر الذي أدى إلى ابعاد المدراء عن موظفيهم وقلل من الدافع على العمل لديهم .
الأفكار اليوم تغيرت أصبح الاهتمام بالعاملين وراحتهم وتأمين الأجواء والبيئة الصالحة وازالة الفوارق الشكلية بين المدراء والموظفين سببًا في زيادة الانتاج . جاء هذا التحول نتيجة للدراسات الانسانية العديدة للسلوك البشري والعوامل النفسية للعاملين، التي لم تدع مجال للشك في مدي أهمية الاعتناء بتطبيق أفكار جديدة في أماكن العمل من خلال التصميم الواعي الذي يركز على راحة العاملين البدنية والنفسية .
ما يسترعي الانتباه هو أن كثير من أماكن العمل في منطقتنا مازالت تتبع الطرق القديمة ، فتصميم أماكن العمل ما هو إلا مجرد ديكورات جميلة تهدف إلى تلميع صورة المؤسسة و الموظفين وإبهار الزوار، وكلما كانت طاولة المكتب كبيرة كلما كان ذلك دليلًا على أهمية الجالس إليها.
فكرة الابهار وتلميع الصورة ليست فقط في أماكن العمل المكتبي بل هي جزء من ثقافتنا المعمارية. هذه الأفكار تبقى حاجزًا ضد التحول من الأهداف الشكلية في التصميم إلى الأهداف النفعية المتوقعة من المباني .
في مساكننا كذلك نحن بحاجة إلى النظر بنظرة علمية والاهتمام بالنواحي الصحية البدنية والنفسية في تصميمها ، والابتعاد عن التشكيل المظهري المبهر ، وعدم ترك اساسيات الراحة مثل الإضاءة والتهوية الجيدة والراحة الحرارية والصوتية بدون حلول أو البحث في تطويرها .
إن أول ما يتبادر للذهن هو أن المجتمع هو المسئول عن ذلك وأن التغيير يجب أن يأتي منه أولًا، ولكن في الحقيقة هي أن المجتمع ليس المسئول بمفرده بل هناك تقصير كبير من جانب مكاتب التصميم التي تستسهل الأمور ولا تبذل جهدًا في متابعة ماهو جديد وتقديمه لعملائها . المسئول الآخر هو أصحاب شركات التأثيث ، بما أننا نتكلم عن المكاتب، التي تصر على تقديم أثاثًا وطرزًا قديمة ولا تتعب نفسها في البحث عن الجديد وما هو أنفع وتسعى إلى الترغيب والتوعية به بالرغم من التطور الجذري الحاصل في مجال الأثاث المكتبي .
بالنسبة لي الأمر يتعلق بأننا منذ أن بدأنا ننفتح على الخارج معماريًا ونحن نبحث عن خصائص تنتمي لقيمنا وتميز عمارتنا المعاصرة عن غيرها، لكننا لم نهتدي لها حتي اليوم. حتي كل المكاتب العالمية التي جاءت لتعمل في منطقتنا لم تستطع أن تقدم لنا طابع خاص لعمارتنا يتماشى من سلوكياتنا.
إن فكرة تصميم الفراغات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة البدنية والنفسية، كما هو الحال بالنسبة لأماكن العمل المكتبي والمباني بشكل عام ، هي من الخصائص التي يجب أن تتبناها وتهتم بها العمارة المحلية المعاصرة في منطقتنا ،
إضافة تعليق جديد