مع دخول عصر الاستدامة فقد الفن المعماري العربي الكثير من المهتمين به بحيث يحق لنا ان نتسأل عن اسباب اختفاءه وأين ذهب ذلك الحوار والنقاش الحاد حوله الذي كان مستمرًا حتي نهاية القرن العشرين تقريبًا . الكثير من الذين سوف يقرأون هذه الافتتاحية ربما لم يعاصروا هذه المرحلة وقد يكون من الصعب إثبات وجودها لهم أصلًا واستشعارهم بها.
تركت هذه الحقبة بصماتها من خلال مباني انتشرت في أنحاء مختلفة من الوطن العربي وفي المملكة ، ودول الخليج ، وفي مصر ، وفي العراق ، وفي سوريا، والأدرن ، وفي دول المغرب العربي .
تلك المباني التي مازالت هنا تشهد على هذا الحراك الكبير وهي مباني تستحقق إعادة قرائتها من جديد .
وعلى ضوء ما صاحب هذه المرحلة من مؤتمرات وندوات متعددة ومتلاحقة قام فيها الحوار وشارك وتلاقى فيه جميع رواد العالم العربي، من المؤرخين والتراثيين والفلاسفة والمثقفين والأدباء والشعراء والمصمميم والفنانين وغيرهم.
لقد بنوا فيما بينهم وعبر العالم العربي علاقات فكرية وثيقة أعتقد أنها مازالت حية حتى وإن ترجل الكثير من هؤلاء عن المنصات أو فارقوا عالمنا. المجلة واكبت قدر استطاعتها هذه المرحلة وسجلت لعدد من هؤلاء الرواد جانب من أفكارهم وأعمالهم لكني متأكد من أن هناك العديد من الجهات الأخرى عبر العالم العربي التي سجلت لهؤلاء الرواد.
أذكر ذلك لأنني أريد إن أدعو المهتمين إلى العمل على تسجيل تاريخ هذه المرحلة لشعوري أنها كانت المرحلة الأولى التي بدء فيها العالم العربي بمعتقادته وعادته وتقاليده وثقافته يعبر فيها عن رؤيته للفن المعماري ليس بمنظور كل دولة ولكن بمنظور عربي موحد ويعتبر ذلك بداية لكتابة تاريخ العمارة العربية الحديثة رغم كل المحاولات التي سبقتها التي ربما كانت ترتبط برؤية حداثية لتواكب العصر .
الفكرة أننا مع بداية القرن الواحد والعشرين تخلينا وتناسينا مع حدث قبله وسعينا مع الجديد القادم من الغرب ( هكذا هي عادتنا على أي حال ) لنقل الاستدامة التي قد يظن البعض أنها تلغي كل ما قبلها لأنها تجمع بين المحلي والعالمي وبين العلم والفن ، إلا أنها لا تستطيع أن تجمع بين الهويات بطبيعة الحال، إلا أن تلغيها وهو ما يحدث أو حدث فعلًا، وذلك من خلال هذا الكم الكبير من العلوم والتقنيات التي يصاحبها وتتطلبها تطبيقاتها على المباني والتي تجعلنا في نهاية الأمر ننسى هويتنا، وحضورنا الحضاري المعماري العربي أو الذي تبقى منه .
إن تسجيل تاريخ الفن المعماري العربي الحديث وإحيائه داخل الذاكرة العربية المعاصرة هو ضرورة ملحة في المرحلة التي نعيش فيها وسلاح نقاوم به اجتياح هذه الاستدامة العمياء.
الناشر ورئيس التحرير
إضافة تعليق جديد