إعداد : المهندس إبراهيم عبد الله أبا الخيل
فى السابق كان المطورون العقاريون يهتمون بالمصلحة الخاصة أو العائد المباشر من مشروعاتهم سواء كان ذلك العائد مادي أو معنوي. اليوم يجب على المطورين الإهتمام كذلك بالمصلحة العامة أو العائد على سكان المدينة أو المنطقة التي يقام فيها المشروع والتي بطريقة غير مباشرة ستعود بعد ذلك بالنفع كذلك على المطورين ؛ فما يعود بالنفع على سكان المدن سيعود كذلك بالنفع على مستعملي أي مشروع وسيرفع من قيمته. جاء ذلك التحول نتيجة لتبني الدول سياسات ومعايير الإستدامة في مختلف قطاعات الحياة. في قطاع البناء كان يجب إعادة النظر من جديد في معايير تصميم المباني، تزامن ذلك مع بداية القرن الواحد والعشرين الميلادي بحيث يمكن القول أن معايير تصميم المباني الجديدة هي معايير القرن الجديد. هذا ما يحاول هذا المقال إثارته كون هذا الجانب مازال غير مطبق بالكامل فى بعض تصاميمنا المحلية .
لقد فرضت المعايير الجديدة على المصممين إعتبارات تصميمية جديدة منها ما هو خاص بعلاقة المشروعات وتأثيرها على المدينة و تأثير المدينة عليها، ومنها ما هو خاص بعلاقة المبنى ووظائفه وتأثير المبنى عليها وتأثير الوظائف عليه .
وبمناسبة إستعراض هذا العدد لإحدى المسابقات المعمارية العالمية لتصميم برج متعدد الوظائف ( تجاري ، فندقي ، سكني ) فى مدينة ملبورن – أستراليا ولأن هذه المسابقة تضم كبرايات مكاتب التصميم المعماري على مستوى العالم ولأنها مسابقة تدعو إلى إستكشاف مستقبل مباني الأبراج في القرن الواحد والعشرين كون الجهة صاحبة المشروع هي مطور عقاري كبير في أستراليا ، رأينا أنها فرصة للتعرف على كيف ستكون عليه معايير التصميم فى هذا القرن وإن هذه المسابقة تستهدف مباني الأبراج وخاصة تلك التي تقع في مراكز المدن إلا أنه مشروع متعدد الوظائف والإستعمالات الأمر الذي يجعله يحتوي على أكبر عدد من المعايير الجديدة بالإضافة إلى إستشرافه لتوجهات العمارة المستقبلية داخل المدن .
تحاول وثائق المسابقة أن تضع تصوراً عاماً للمشاكل التي تواجهها مشاريع التطوير العقاري؛ فنتيجة لزيادة عدد السكان وتغير أسلوب حياة الناس يجب على مشروعات التطوير العقاري وتصاميمها – بالإضافة إلى المتطلبات الحالية – أن تواكب متطلبات الأجيال المستقبلية . كما يلاحظ اليوم أن هناك مدن بالإضافة إلى مدينة ملبورن تبذل جهوداً لتحسين مستقبلها من خلال إستخدام شبكات التحكم الإلكتروني وتطبيق الحلول الذكية ( المدن الذكية). من جهة أخرى فإن نسبة الزيادة السكانية في ملبورن اليوم ١٢٪ و هي تعزى إلى زيادة الطلب على التوظيف ، ونتيجة إلى إنخفاض أعمار العاملين وزيادة أعداد المهاجرين الشباب الذين يفضلون العيش والعمل في المدينة ، فإنه من المتوقع أن يزيد الطلب على البناء لتحديث شباكاتها التحتية وعلى الطلب على السكن داخل المدن . كما أنه نتيجة إلى التطور التقني وتأثيره على صناعة وطرق تقديم الخدمات والمنتجات ، تشهد المدينة نمواً لعدد الشركات الجديدة التي تسعى لتقديم خدمات تواكب تغير أسلوب حياة الناس وإستهلاكهم وإبتكار أساليب عمل جديدة. هذا وسوف يتأثر قطاع البناء بدوره من هذه التحولات والتي ستؤثر بدورها على تخطيط المدينة وعمارة مبانيها. ومع مايشهده المناخ اليوم من تحولات ، لا أحد يستطيع التنبوء بما يمكن أن يحدث من تحولات بيئية في المستقبل، الأمر الذي يجب معه البحث عن حلول بيئية جديدة للمباني والمدن لمواجهة هذه التحولات . وتخلص الوثائق إلى أن التحديات الحالية تزيد من حالة عدم وضوح الرؤيا حول مستقبل المدن بشكل عام وأنه من خلال التصميم المعماري يمكن إستكشاف مستقبل عمران المدن الذي لديه القدرة على تجسيد وإستعراض الحلول الفضائية المحتملة يمكن إستكشاف مستقبل عمران المدن. ولتحقيق ذلك قام مطور المشروع بالإستعانة بعدد من المكاتب المعمارية العالمية بالتعاون مع مكاتب أسترالية محلية لتصميم مشروع برج رئيس متعدد الوظائف في وسط مدينة ملبورن، صاحب ذلك تنظيم ندوة حول مستقبل المدن دعيت إليها هذه المكاتب للتعبير عن آرائها حول المشروع، كما قام المطور بتشييد مبنى صغير في موقع المشروع تم فيه تحكيم المسابقة . المكاتب التي تم دعوتها هى : OMA ،MVRDV COOP HIMMELB(L)AU , UNSTUDIO, BIG , MAD فاز بالمسابقة مكتب UNSTUDIO. ولقد قامت المجلة بإستعراض الأفكار والتصاميم المقدمة لهذه المكاتب بحيث أمكن إستخلاص أهم المعايير التصميمية الجديدة التي تم الأخذ بها في المقترحات المقدمة من قبل المكاتب المشاركة، وكلها معايير نابعة من التوجهات الجديدة للإستدامة .
معايير جديدة لتصميم المباني :
لقد دفعت المشاكل التي طالبت المسابقة بحلها إلى إعادة النظر في تصميم المباني التجارية والسكنية والفضاءات العامة ولكي يحقق التصميم المعايير التصميمية التالية :
أولاً – إعادة ربط سكان المدن بالطبيعة :
محاكاة الطبيعة داخل العمران الصناعي الكثيف للمدن
إستخدام الشرفات ذات الحدائق المعلقة لجلب الطبيعة إلى أدوار المباني العالية.
ثانياً – إنفتاح المباني على محيطها بشكل خاص وعلى المدينة بشكل عام :
تحقيق إنفتاح الدور الأرضي ودمجه مع الفضاء العام المحيط به وإيجاد وسائل جذب للمرتادين.
ثالثاً – الحد من إنعزال سكان المباني العالية عن بعضهم البعض وعن المدينة :
– إستمرارية إمتداد الفضاء العام رأسياً على مباني المدينة
– إستخدام مساحات عامة لتلاقي السكان وممارسة أنشطة مشتركة فيما بينهم داخل المباني.
– ربط الفراغات الداخلية بالفضاء الخارجي.
– تحقيق أوسع إطلالة للفراغات الداخلية على الخارج.
رابعاً – مراعاة متطلبات المالك وأنظمة البناء وعمارة منطقة المشروع والمناخ والإطلالة من وعلى المشروع وشكل الموقع:
تعميق وتوسيع دراسات برنامج المشروع ليشمل كافة متطلبات المشروع على المدى الطويل ( ٥٠ عام ).
خامساً – إستيعاب المباني للتغيير و التطوير المستقبلي:
– تحقيق المرونة في تصميم الموقع العام ومساقط المباني.
– تصميم الهيكل الإنشائي على المحيط الخارجي لمساقط المبنى.
– إخلاء المساحات الداخلية من الخدمات ووضعها خارج مساحات الأنشطة .
سادساً -رفع الكثافة السكنية في المبنى الواحد لتحقيق الحيوية للأنشطة الإقتصادية المختلفة والحد من إمتداد المدن:
– زيادة إرتفاعات المباني .
– تنويع الأنشطة .
سابعاً – تطبيق مبادىء الإستدامة بطريقة غير منعزلة عن التصميم المعماري :
– تطبيق معايير التصميم البيئي من خلال إستخدام وسائل التهوية والإضاءة الطبيعية والتهوية ( أنظمة سلبية) لخفض إستهلاك الطاقة وخفض إنبعاثات الكربون، بحيث يستوعبها المصمم داخل فكرة التصميم المعماري الرئيسة.
– كما تعتبر الواجهات عنصر تصميمي ولكنها كغلاف خارجي تحمي المبنى من العوامل الطبيعية الخارجية الأمر الذي يجب أن يأخذ في الإعتبار عند تصميمها .
ثامناً -تحقيق المقياس الإنساني للمباني وتجنب الكتل الضخمة داخل مراكز المدن :
– نفاذية حركة المشاة وتعني تصغير حجم البلوكات وزيادة عدد الطرق و الممرات داخل الحي الواحد.
– نفاذية الإضاءة والتهوية الطبيعية إلى داخل المباني من خلال تصغير حجم كتلة المبنى بالمقارنة بمساحة الواجهات.
-نفاذية الرؤية من وعلى المبنى.
تاسعاً – إستخدام التقنيات الحديثة في حل مشاكل المدن:
– مثل إستخدام مصاعد أتوماتيكية داخل مواقف السيارات لزيادة طاقتها داخل مراكز المدن التي تشح فيها المواقف .
– ومثل إستخدام المصاعد الفائقة السرعة لتحقيق إرتباط أقوى بين أدوار المباني العاليا.
وأخيراً فإننا نعتقد أن المقترحات المقدمة من المكاتب المشاركة تحمل الكثير من المعايير التصميمية المستقبلية، ولقد قمنا بإستنباط هذه المعايير من خلال قرأتنا للمقترحات المقدمة ، وندعو القراء إلى الإطلاع بدورهم بإستعراض المعايير من خلال مقترحات المشاركين في الصفحات التالية ، كما ندعوهم كذلك إلى محاولة إستنباط معايير أخرى يمكن أن نكون قد غفلنا عنها .
إضافة تعليق جديد